هل الفن للجماهير أم للنخبة؟!

بقلم: فهد الحسن : عبر التاريخ كان ثمة جدل أزلي مستمر حول أحقية التوجه في
الجوانب الإبداعية التي أنتجتها البشرية، ومن هو الأجدر بأن تنصب حوله
القيم العليا في الفن والأدب والفكر من حيث الكم وحجم التأثير والقيمة
النوعية.. وقد انقسم المتجادلون على أنفسهم، مما شجع قيام تيارات فكرية
متباينة وأحياناً متناقضة مع ذاتها في كيفية فهم فلسفة التوجه هذه وكان
السؤال الكبير: لمن يرسم الفنان، ولمن يكتب الكاتب، ولمن ينظم الشاعر، ولمن
يؤلف الروائي، ولمن يتوجه المسرحي.. إلخ، وقد نتج عن هذا الجدل نظريات
ومذاهب فكرية وايديولوجية شتى، بعضها انحاز إلى الناس بمختلف انتماءاتهم
ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية انطلاقاً من أن الفكر والفن عموماً جاءا
ليخلقا حالة حراكاً وتوازناً في حياة البشر ولينسفا عالماً بالياً، خالياً
من القيم والمفاهيم التي تثور المجتمعات وتأخذ بيدها نحو مسارب ومسارات
خلاقة تقوم من خلالها السلوكيات الرثة وتحل محلها سلوكيات جديدة بناءة تسهم
في بناء جوانب قيمية تُعلي من قيمة الفرد وتنور مفاهيمه وتطور قناعاته
فتصل به إلى بوابة المعرفة الثرية التي تعده كعنصر فاعل في الحياة.
في حين ذهبت تيارات أخرى إلى ربط نتاجها بالنخب المثقفة ذات الصبغة
الاجتماعية والفكرية الخاصة الإنتلجنسيا وقال إن قنوات الفكر والابداع
معنية بأناس يملكون ذخيرة غنية وجاهزة من التراكم المعرفي لدخول هذا
المحراب والتماهي معه.. بما امتلكوه من امكانات ذهنية باهرة تمنحهم التفاعل
مع الآثار الابداعية المكونة لذاك المحراب، ثم ذهب أنصار هذه التيارات إلي
أبعد من ذلك بتسييس الفن والأدب والابداع عموماً وربطه بالنظريات السياسية
والحراك العام للمجتمعات وشكل السلطة أو نظام الحكم السائد، فكانت
الواقعية الاشتراكية والليبرالية والاشتراكية العلمية والأممية
والكولونيالية والبرجوازية والطبقة المتوسطة والبروليتاريا.. إلخ، وانقسم
العالم على نفسه من جراء هذه الصبغات الفكرية وتصاعد الصراع دون أن يحسمه
طرف ضد الآخر.. وكان الرابح الأكبر في النهاية هو الفن والابداع نفسه.


جريدة الراية القطرية