]الأب المتسلّط

الأب المتسلّط

يميل الآباء أحياناً إلى استخدام الطريقة التسلّطية في التعامل مع الأبناء، فتجدهم يظهرون حب السيطرة وإلقاء الأوامر، ويتوقعون أن يبدأ الجميع بتنفيذ ما يطلب منهم دون اعتراض، وغالباً ما يحظر النقاش، ولا يسمحون به إلا من أجل تعزيز رأيهم لا بقصد الاستماع إلى الآخرين، إضافة إلى ذلك فإننا نجد أنّ هذا النوع قد يتبنى مواقف عديدة ليس لاقتناعه بها ولكن فقط لأن وظيفته تفرض عليه مثل هذه المواقف، وهم يعتقدون أنّ هذه الطريقة تحفظ لهم هيبتهم واحترامهم أمام الجميع، وأنّها الطريقة المثلى للتربية.

ولا يخفى على أحد ما يتركه هذا النمط من آثار سلبية، فهو من جهة يجرّد الأب من التلقائية في ردات الأفعال، الأمر الذي يزيد من شعوره بالإرهاق، وبالتالي يضاعف من التوتر في العلاقة بينه وبين أبنائه، ومن جهة أخرى فإن التسلُّطية قد تُورَّث للأجيال، فكثير ممن يمارسونها هم حقيقة يحاكون في سلوكهم التربوي سلوك آبائهم التسلُّطي، حيث أثبتت الدراسات كما يذكر الدكتور مصطفى أبو سعد في كتابه "الأطفال المزعجون" أن 85 % ممن تعرضوا للاضطهاد الطفولي يعيدون ممارسته في حياتهم الأسرية.

أما عن آثاره على الأبناء، فغالباً ما يضعف العلاقة داخل الأسرة، ويحولها من شكل الحب والشعور بالأمان والتعاون إلى شكل من أشكال الرهبة والخوف وتنقيذ الأوامر، إضافة إلى أن علاقة الأطفال تميل إلى العدوانية وحب التسلّط مع زملائهم في المجتمع الخارجي؛ وذلك بسبب الحاجة إلى التفريغ عمّا يلاقيه من تسلّط، أو محاكاة لما يراه من سلوكيات والديه، إضافة إلى أنه قد يُفقد الطفل شعور الثقة بالنفس، ويمنعه من القدرة على اتخاذ القرار، وهو من الأسباب الرئيسية في ظهور حالات التوتر وسرعة الانفعال والتمرد، وقد يكون سبباً في ميله للانطواء والعزلة، وخوف ما قبل النوم عند الصغار.

وللوقوف على أهم أسباب التسلُّطية عند الوالدين وطرق علاجها، نجد أنها أحياناً ما تكون تقليداً للأنماط الاجتماعية، ومحاكاة للطريقة التي تربّى عليها، فالإنسان غالباً يميل إلى أن يقول ما قيل له، ومن المفيد في العلاج هنا أن نتذكر حالنا في العديد من المواقف التسلّطية مع أبنائنا، حينما نقف ونقول: يا إلهي.. "أليس هذا النمط الذي مارسته مع ابني للتو، هو نفس النمط الذي كان والدي يمارسه معي وكنت أرفضه؟؟!!!"، عندها تذكر أنّ الطفل يميل إلى المعاملة الإنسانية لا التسلُّطية.

ومن أسبابه –كذلك- اعتقاد البعض أن إلقاء الأوامر هو الأسلوب الأمثل في التربية الفاعلة وأن آثاره سريعة ومرضية، وحقيقة الأمر أنّ هذا الشعور نابع من اعتقاد خاطئ بأنّ الطفل في أصله شرير وسيء، فيندفع الأب إلى ضبطه من خلال الأوامر والعبارات التي تجعل من وظيفته أن يقول لأبنائه أنهم سيئون، وهذا من الخطئ بمكان، فالطفل إنسان فطري مخلوق على حب الخير، ثم إن الطفل كلما شعر بتقدير ذاته وإعجاب من حوله به كلما استجاب لتوجيهاتهم وانسجم مع ما يرغبون، وزادت ثقته بنفسه وبوالديه.

أمّا عن أكثر أسبابه انتشاراً في العصر الحاضر فهو الميل إلى تفريغ الشحنات الزائدة جرّاء توترات العمل والعلاقات الاجتماعية في الأطفال باعتبارهم الحلقة الأضعف –كما يظن البعض-، وهنا ينصح الأب بأن يُفرِّغ الشحنات الزائدة بعيداً عن الأطفال، فمثلاً: قد قم بعمل يحتاج إلى جهد كممارسة الرياضة، أو تحدث مع أحد الزملاء لتشكو همّك، وتفرج كربك، لكن احذر من أن يكون أبناؤك هم آلة لتفريغ الشحنات الزائدة فأنت تشوه حياتهم، وتذكّر دائماً أنك كلما كنت أقرب إلى الراحة البدنية والنفسية كلما كنت أقرب من أبنائك وتفهّم حاجاتهم والاهتمام بها.