يرى البعض انه يستوجب إسقاط تلك الديون لمساعدة المواطنين في تحسين
مستواهم المعيشي ومواجهة موجة الغلاء بينما يعتبر آخرون أن الإسقاط سيظلم
كثيرا من المواطنين الملتزمين بالسداد وينمي ثقافة الاستهلاك وإنه من غير
المعقول مطالبة الدولة بإسقاط ديون ناجمة عن إقامة حفلات زواج باذخة أو
شراء سيارات فارهة».
مع إعادة تشكيل مجلس الوزراء نتوخى منه تحمل مسؤوليته الاجتماعية وعلى
وزارة الاسكان إعادة طرح موضوع إقامة المجمعات السكنية وتوفير شقق للشباب
بأسعار معقولة».
يستفسر الكثيرون هذه الأيام عن موضوع إسقاط الديون الشخصية وهل على الدولة
أن تعفي من تلك الديون أو يجب عليها عدم التدخل باعتبارها أمورا شخصية
يتحمل مسؤوليتها أصحابها فهم كانوا مخيرين عندما قرروا الاقتراض ولا يجب
تحميل غيرهم مسؤوليتهم.

قبل إبداء الرأي حول الموضوع حاولت الحصول على معلومات وافية من البنك
المركزي العماني لمعرفة أنواع المديونيات للتفرقة بين الاستهلاكي منها
والاستثماري وحصر أعداد المعسرين من أصحاب المديونيات الاستهلاكية الذين
اقترضوا لأغراض معيشية ضرورية لتحديد حجم المشكلة ومعرفة كم يبلغ عدد
المقترضين وما هو حجم المبالغ المقترضة وما هي نسبة المتعثرين منهم وما هو
سبب تعثرهم، وما هو حجم القروض المتعثرة من إجمالي تلك المبالغ لأنه لا
يمكن وضع الحلول دون توافر المعلومات الدقيقة حول تلك القروض المتعثرة
وأسباب التعثر، إلا انني لم أوفق إلا في معرفة أن حجم القروض الشخصية لدى
البنوك التجارية حتى نهاية سنة 2010م كانت 4.2 مليار ريال ارتفاعا من 3.6
مليار ريال عماني في نهاية سنة 2008م وتمثل حوالي 40% من إجمالي الإئتمانات
البنكية في السلطنة.
وكذلك يجب معرفة أصحاب تلك الديون هل هي ديون لصالح الحكومة أو ديون بنوك
خاصة حيث أنه لا يحق للحكومة الإعفاء من الديون المستحقة للآخرين وأقصى ما
يمكنها أن تفعله هو وضع حزمة من الحلول من بينها شراء بعض تلك الديون
المتعثرة والتيسير على أزمات حقيقية سببتها كثرة القروض أو الفوائد
المتراكمة لدى عدد غير قليل من الأسر العمانية.
وحتى ندرك حجم المشكلة فإن حجم القروض الشخصية لدى البنوك التجارية حتى
نهاية سنة 2010م يعادل وفق ما هو معتمد في الخطة الخمسية الثامنة إجمالي
المصروفات الإنمائية لجميع الوزارات المدنية خلال السنوات 3.5 الاولى من
الخطة الخمسية الحالية أو المصروفات الجارية للدفاع والأمن والوزارات
المدنية في سنة 2011 أو المصروفات الجارية والرأسمالية لديوان البلاط
السلطاني وشؤون البلاط السلطاني لأكثر من 14 سنة أو المصروفات الجارية
والرأسمالية لوزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم لأكثر من 4 سنوات.
إن قضية القروض قد تكون اقتصادية ولكنها تحمل في الوقت ذاته جوانب سياسية
واجتماعية ، وقد يشعر الملتزمون بالسداد الذين تذهب أغلب رواتبهم لسداد
الأقساط بالرغم مما يعانون من صعوبات ولا يتبقى لهم ما يكفي للعيش بكرامة
إنهم يعاقبون بسبب التزامهم بواجباتهم لذا يجب أن يكون الأمر واضحا عندما
نحدد من هم المعسرون وهل يشمل الملتزمين والمتعثرين.
بينما يعتبر الكثيرون أن على الحكومات الريعية حل ما يواجه المواطنين من
مصاعب في سبيل العيش وتوفير الحياة الكريمة لهم وأن تستشعر همومهم
ومتطلباتهم وتقوم بحلها، ومن بينها قضية المقترضين فإنه يستوجب إسقاط تلك
الديون لأن ذلك سيساعد المواطنين في تحسين مستواهم المعيشي ومواجهة موجة
الغلاء خاصة أن هنالك من تدين بسبب بناء بيت يأويه وعائلته وعجز عن الوفاء
بسبب أعباء المعيشة عليه، وهنالك من اضطر لعلاج أهله أو نفسه في الخارج
بسبب عدم توفر علاجه في الداخل، وأصبح مكبلا بالديون أو من تزوج بواسطة
السلف من البنوك ليكمل دينه، ويبعد عن الرذيلة، أو من وجد نفسه في مشاريع
صغيرة فاشلة بعد أن غرر به وأمل نفسه بتحسين مستواه المعيشي أو من علم
أبناءه في الداخل أو الخارج لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على فرصة دراسية
جامعية .
بينما يرى آخرون أن إسقاط القروض غير عقلاني وغير منصف وسيظلم كثيرا من
المواطنين وانه عند قيام الحكومة بدفع هذه الديون فإنها تنمي ثقافة
الاستهلاك لدى المواطنين وتشجع الآخرين على الاقتراض وهي ناجمة عن قرارات
اتخذها أصحابها لأغراض مختلفة قد يراها صاحبها أساسية بينما يراها جاره
بأنها كمالية أو للمظهر فقط وعلى كل شخص تحمل تبعات قراراته ولذلك فإنه من
غير المعقول مطالبة الدولة بإسقاط ديون ناجمة عن إقامة حفلات زواج باذخة في
فنادق خمسة نجوم أو شراء سيارات فارهة وكماليات غير ضرورية أو قضاء
الإجازات في الخارج، أو حتى الاقتراض من أجل المغامرة في شراء أسهم في سوق
الأوراق المالية أو إقامة مشاريع تجارية أو بناء عقار لتأجيره أو غيره
الكثير من الأمثلة التي لا حصر لها.
ولكن البعض الآخر يبدي استغرابه عندما يتم الحديث عن الأرقام والمطالبة
بالتحلي بالعقلانية عندما تكون القضية متعلقة بالمواطن والأمر نفسه لا
ينطبق عندما تكون المسألة مرتبطة بعطايا الحكومة السخية وتبديدها للأموال
العامة بمنحها القروض وإعفاء عدد صغير من المسؤولين الكبار وأصحاب النفوذ
من سداد مبالغ ضخمة هي كفيلة بحل مشاكل جميع المواطنين العمانيين.
وأذكر هنا انه منذ سنين كانت هنالك محاولات لإلغاء الدعم عن البسور إلا أن
تلك المحاولات ولله الحمد باءت بالفشل بعد أن رفض صاحب الجلالة اعتمادها،
وفي نفس الوقت كان أحد المسؤولين يسعى لإعفائه من سداد قرض حكومي شخصي
عندما تم احتساب قيمته آنذاك تبين انه كان يعادل المبالغ المخصصة لدعم
البسور لمدة 17 سنة.
وهنالك من يرى أن الحكومة تتحمل كامل المسؤولية كونها من صنعت المشكلة بسبب
فشل سياساتها المالية والنقدية، فعلى صعيد خططها التنموية لم تسع لتحديد
الأولويات وتعريف ماهية التنمية المستدامة باعتبارها عملية مجتمعية واعية
ودائمة موجّهة وفق إرادة وطنية مستقلًّة من أجل إيجاد تحوُّلات هيكلية
وإحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية تسمح بتحقيق تصاعد مطّرد لقدرات
المجتمع وتحسين مستمر لنوعية الحياة فيه.
كما أن مسألة إسقاط القروض تتسم بالطابع المالي الاقتصادي المعيشي للأسر
العمانية، ففي الفترة الماضية ارتفعت أسعار النفط وتحققت بذلك زيادات غير
مسبوقة في الموارد المالية للدول المصدرة للنفط، ونجم عن ذلك وعلى المستوى
العالمي ارتفاع أسعار الانتاج الصناعي والزراعي والخدمي وخدمات النقل وعلى
المستوى المحلي هناك انخفاض موازٍ في قوة مواطنيها الشرائية بسبب زيادة
معدلات التضخم وارتفاع الأسعار وبالتالي تضرر أصحاب الدخل الثابت من
الموظفين والعمال حتى أصبحت أعباء الحياة أكثر كلفة من أي زيادات في
الرواتب تقل عن معدلات زيادة الأسعار .
فعندما تكون نسبة التضخم ما بين 5% و10% سنوياً فإن ذلك يعني ذلك أن
المواطن ذا الدخل الثابت ينخفض مستواه المعيشي بنفس هذا القدر إن لم يحصل
على زيادات تعادل معدلات الزيادة في الأسعار ولا يمكن المحافظة على مستواه
المعيشي إلا بزيادة الدخل أو بتخفيض تكلفة المعيشة، وفيما يتعلق بمراجعة
الرواتب والأجور يجب أن تكون مرتبطة بالمستجدات الاقتصادية التي يشهدها
العالم ولكن تبعات تلك الزيادات من شأنها الإضرار بخطط الدولة التنموية،
ولكنها المشكلة في الاقتصاديات المتخلفة التي لا يمكنها تحقيق معدلات نمو
في الاقتصاد الحقيقي فإنها ستؤدي إلى زيادة نسبة التضخم في باب الرواتب
والأجور الأمر الذي سيشكل عبئا إضافيا على الموازنة العامة للدولة، لذا يجب
أن تقتصر هذه الزيادة على أصحاب الأجور المتدنية وألا تشمل الجميع وهذا ما
حدث بموجب الأوامر السامية التي صدرت مؤخرا باستحداث علاوة غلاء معيشة
وكان النصيب الأكبر فيها للفئات الأقل دخلا.
ويرى البعض أنه لا يمكن الحفاظ على المستوى المعيشي إلا من خلال :
‌أ-المحافظة على أسعار السلع والخدمات التي تأثرت بموجة التضخم العالمي من
خلال برامج المراقبة والتدخل الإداري ( وهذا حل مكلف وغير مضمون النتائج ) .
‌ب-ترك آلية السوق تحدد الأسعار في حرية تحكمها قوى العرض والطلب، مقابل أن
تحافظ على مستوى القوة الشرائية لرواتب ذوي الدخل الثابت من المواطنين
(بالقطاعين الحكومي والخاص) وهو حل إن استطاعت تحقيقه على مستوى موظفي
الحكومة والقطاع العام فإنها ستعجز عن إجبار القطاع الخاص على اتباعه
بالنسبة لموظفيه وعماله.
‌ج-أن ترفع رواتب المتقاعدين سنوياً بما لا يقل عن معدلات ارتفاع الأسعار
حفاظاً على مستوى معيشة كبار السن الأكثر حاجة للرعاية والعلاج الطبي (وهذا
ما قامت الحكومة بالعمل به بموجب الاوامر السامية التي صدرت مؤخرا).
‌د-أن يتم دعم السلع والخدمات في ميزانية الدولة بنفس نسبة ارتفاع معدلات
التضخم سنوياً (وهذا حل مكلف قد تعجز الحكومة في الاستمرار فيه على المدى
الطويل ولكن بإمكان الحكومة وضع آليات قد تساهم من خلاله تخفيض تكلفة بيع
تلك السلع بطرق غير مباشرة، على سبيل المثال دعم إنشاء الجمعيات التعاونية
مع استبعاد الاستهلاكات من التكلفة).
وعلى صعيد السياسات النقدية لم يتمكن البنك المركزي العماني وهو المعني
بمراقبة البنوك التجارية ووضع السياسة النقدية للدولة القيام بدوره في
معالجة الوضع الاقتصادي وهو مسؤول عن عدم ممارسته دوره الرقابي الصارم على
البنوك ورعايته لها على حساب المواطن، وعدم فرض حد أقصى للإقراض ولخدمة
الديون من إجمالي الدخل وقد نجم عن ذلك تنامي القروض والفوائد وتراكمها على
مجموع الاستقطاعات الشهرية، ومما لا شك فيه أن ذلك قد أدى إلى تضاعف قيمة
القروض في الكثير من الحالات.
خلاصة القول فإنه لا يصح التعميم في هذا الموضوع كما أنه لا يجوز تركه دون
علاج خاصة ان ديننا الاسلامي يحثنا على إغاثة المعسر وهنالك مئات الاحاديث
النبوية الشريفة التي تحث على ذلك وفي حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه كان
رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله
أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله فتجاوز عنه» رواه البخاري وفي حديث آخر عن
ابي هريرة رضي الله عنه من أنظر معسرا أو وضع له، أظله الله يوم القيامة
تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله» وفي حديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه
تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم. فقالوا: أعملت من الخير شيئا ؟
قال: لا. قالوا: تذكر. قال: كنت أداين الناس. فآمر فتياني أن ينظروا المعسر
ويتجوزوا عن الموسر . قال: قال الله عز وجل: تجوزوا عنه» وفي حديث عن
ابوقتادة رضي الله عنه من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينظر
معسرا أو ليضع عنه»
ووفق المعطيات المتوفرة حاليا عليه يقترح إنشاء صندوق لمساعدة المعسرين» من
المواطنين العمانيين الذين يعانون من أزمات مالية للعاجزين عن سداد ديونهم
ويتبع وزارة التنمية الاجتماعية ويتم التعامل معه باحترافية وتحدد أهدافه
بوضوح دون خلط للأوراق وتوضع له آليات بضوابط صرف المبالغ على المواطنين
المعسرين وبحيث يستفيد من العملية المستحقين فعلا، خاصة الاشخاص الذين
تعثروا في سداد أقساط أو رصيد المديونية المستحقة عليهم من القروض
الاستهلاكية والقروض المقسطة وأثقلوا بأعباء والتزامات شهرية تزيد عن نسبة
خمسين بالمائة (%50) من إجمالي دخلهم الشهري. ويمكن الاستفادة من تجربة
الكويت في هذا المجال حيث صدر القانون رقم (51) لسنة 2010 بإنشاء صندوق
لمعالجة أوضاع المواطنين المتعثرين.
ويقترح أن تؤول إلى الصندوق المقترح مبالغ المساعدات المعتمدة في مختلف
الوزارات وما يعتمد له من مبالغ من موازنة الدولة ونسبة 5% من تحصيل
الضرائب التي تحصلها الحكومة على الشركات بالإضافة إلى تبرعات الموسرين من
أهل الخير الذين يرغبون في مساعدة المعسرين.
وفي الوقت نفسه نستبشر بالخير بإعادة تشكيل مجلس الوزراء ونتوخى منه تحمل
مسؤوليته الاجتماعية وعلى وزارة الإسكان إعادة طرح موضوع إقامة المجمعات
السكنية وتوفير شقق للشباب بأسعار معقولة حيث أنه سبق أن درست هذا الموضوع و
أوصت بالعمل به منذ فترة غير بعيدة أثناء أزمة زيادة الإيجارات، ولكن
المشروع واجه آنذاك فيتو الراحلين من أصحاب المصالح.
كما يتطلب الأمر كذلك قيام البنك المركزي بالعمل على تطوير نظام لسجلات
المعلومات الائتمانية (الاستعلام الائتماني) يمكن أن يستفيد منه الجميع
وكذلك القيام بدور أكبر في استخدام السياسات النقدية المتاحة وأعتقد ان ما
يمنع ذلك بشكل رئيسي عدم أهلية معظم أعضاء مجلس محافظيه لمعرفة الدور الذي
يمكن أن تلعبه السياسات النقدية في تنشيط الاقتصاديات، وكذلك يجب النظر في
سن قانون يحدد الحد الأقصى المسموح به الاقتراض من اجمالي الدخل ولا يسمح
باستقطاع أكثر من نسبة معينة ( 40 % مثلا )
المصدر جريدة عمان