منتدى شباب جامعة إب
نـثر مـرورك في الــدرب زهـراً وريحانـا . . . وفاح عبــق اســــمك بوجـودك الفتــانـــا

فإن نطقت بخيـر فهو لشخصك إحسانا . . . وإن نطقت بشر فهو على شخصك نكرانا

وإن بقيت بين إخوانك فنحـن لك أعوانـا . . . وإن غادرت فنحن لك ذاكرين فلا تنسـانــا


منتدى شباب جامعة إب
نـثر مـرورك في الــدرب زهـراً وريحانـا . . . وفاح عبــق اســــمك بوجـودك الفتــانـــا

فإن نطقت بخيـر فهو لشخصك إحسانا . . . وإن نطقت بشر فهو على شخصك نكرانا

وإن بقيت بين إخوانك فنحـن لك أعوانـا . . . وإن غادرت فنحن لك ذاكرين فلا تنسـانــا


منتدى شباب جامعة إب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمركز رفع الصورأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
منتدى شباب جامعة إب منتدى ,علمي ,ثقافي ,ادبي ,ترفيهي, يضم جميع اقسام كليات الجامعة وكذا يوفر الكتب والمراجع والدراسات والابحاث التي يحتاجها الطالب في دراسته وابحاثه وكذا يفتح ابواب النقاش وتبادل المعلومات والمعارف بين الطلاب. كما اننا نولي ارائكم واقتراحاتكم اهتمامنا المتواصل . يمكنكم ارسال اقتراحاتكم الى ادارة المنتدى او كتابتها في قسم الاقتراحات والشكاوى

 

 تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Arwa Alshoaibi
مشرفـة عـامـة
مشرفـة عـامـة
Arwa Alshoaibi


كيف تعرفت علينا : ............
الكــلــيــة : ........
القسم ( التخصص ) : .......
السنة الدراسية (المستوى الدراسي) : .......
الجنس : انثى
عدد الرسائل : 12959
العمر : 35
الدوله : بعيييييييييييييييييييييييييييييد
العمل/الترفيه : القراءه والاطلاع على كل جديد
المزاج : متقلب المزاج
نقاط : 18850
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
: :قائمة الأوسمة : :
تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة   Aonye_10
تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة   1800010


بطاقة الشخصية
التقييم: 10

تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة   Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة    تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة   Icon_minitimeالأربعاء يوليو 27, 2011 2:03 am



الفصل الثالث: عهد الولاة



طارق بن زياد يتجه فاتحا نحو الشمال

توجه
طارق بن زياد بعد فتح أَشبيليّة إلى مدينة أَسْتُجّة، و هي أيضا من مدن
الجنوب، وفي أستجة قاتل المسلمون قتالا عنيفا، لكنه - بلا شك - أقل مما كان
في وادي برباط؛ فقد فَقَدَ النصارى معظم قواتهم في موقعة وادي برباط، وقبل
أن ينتصر المسلمون في آواخر المعركة فتح النصارى أبوابهم وقالوا قد صالحنا
على الجزية
.

وثمة
فارق كبير جدا بين أن يصالح النصارى على الجزية، وبين أن يفتح المسلمون
المدينة فتحا؛ لأنه لو فتح المسلمون هذه المدينة فتحا (أي بالقتال) لكان
لهم أن يأخذوا كل ما فيها، أمّا إن صالح النصارى على الجزية، فإنهم يظلون
يملكون ما يملكون ولا يدفعون إلا الجزية، والتي كانت تقدّر آنذاك بدينار
واحد في العام كما وضحنا سابقا
.

ومن
أستجة وبجيش لا يتعدى التسعة آلاف رجل يبدأ طارق بن زياد بإرسال السرايا
لفتح المدن الجنوبية الأخرى، وينطلق هو بقوة الجيش الرئيسة في اتجاه الشمال
حتى يصل إلى طُلَيْطِلة عاصمة الأندلس في ذلك الزمن، فقد بعث بسرية إلى
قرطبة، وسرية إلى غِرناطة، وسرية إلى مَالْقة، وسرية إلى مُرْسِيَه، وهذه
كلها من مدن الجنوب المنتشرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والمطلة على
مضيق جبل طارق، وكان كل من هذه السرايا لا يزيد عدد الرجال فيها عن سبعمائة
رجل، ومع ذلك فقد فُتحت قرطبة على قوتها وعظمتها بسرية من تلك التي لا
تتعدى السبعمائة رجل [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى]
{الأنفال:17}. ثم ظل طارق بن زياد رحمه الله متوجها ناحية الشمال حتى وصل
إلى مدينة جَيّان وهي من مدن النصارى الحصينة جدا
.

طارق بن زياد على أعتاب طُليطلة

كان
موسى بن نصير رحمه الله الذي اتسم بالحكمة والأناة كان قد أوصى طارق بن
زياد ألا يتجاوز مدينة جَيّان أو لا يتجاوز مدينة قرطبة، و أمره ألا يسرع
في الفتح في طريقه إلى العاصمة طليطلة حتى لا يحوطه جيش النصارى
.

لكن
طارق بن زياد وجد أن الطريق أمامه مفتوحًا، ووجد أن الطريق إلى طليطلة ليس
فيه من الصعوبة شيء؛ فاجتهد برأيه، وعلى خلاف رأي الأمير موسى بن نصير وجد
أن هذا هو الوقت المناسب لفتح طليطلة العاصمة، وقد كانت تعد أحصن مدن
النصارى على الإطلاق، فرأى أنه إن هاجمها في هذه الفترة التي يكتنف النصارى
فيها ضعفا شديدا لا يستطيعون معه مقاومة جيش المسلمين فقد يتمكن من فتحها،
الأمر الذي قد يتعذر بعد ذلك فلا يستطيع فتحها
.

وكان
الأفضل في هذا الأمر أن يستشير طارق بن زياد موسى بن نصير في المغرب، وأن
يرسل إليه ولو رسالة يشرح له فيها طبيعة الموقف، وأن الطريق مهيأ أمامه
لفتح طليطلة، ويستوضح رأيه ورده في ذلك
.

أما
طارق بن زياد فقد أسرع في اتجاه طليطلة دون استئذان من موسى بن نصير، وكان
موسى بن نصير قد علم بتقدم طارق لفتح طليطلة، ولكن لطول المسافات لم يستطع
أن يلحق به فيكون مددا له
.

كانت
مدينة طليطلة من أحصن مدن الأندلس، بل هي أحصن مدينة في الأندلس؛ فقد كانت
محاطة بجبال من جهة الشمال والشرق والغرب، أما الجهة المفتوحة وهي الجنوب
فعليها حصن كبير جدا
.

ومع ذلك فقد فتحت أبوابها لطارق بن زياد وصالحت على الجزية.


موسى بن نصير يأمر طارقا بالكف عن الفتوحات ويجهز نفسه لمدده

تقدم
طارق بن زياد بهذه السرعة في بلاد الأندلس لم ينل قبولا لدى موسى بن نصير؛
إذ وجد فيه تهورا كبيرا لا يُؤْمن عواقبه، وكان قد عُرف عن موسى بن نصير
الأناة والحكمة والصبر في كل فتوحاته في شمال أفريقيا حتى وصل إلى المغرب،
ومن ثم فقد بعث برسالة شديدة اللهجة إلى طارق بن زياد يأمره فيها بالكف عن
الفتح وبالانتظار حتى يصل إليه؛ وذلك خشية أن تلتف حوله الجيوش النصرانية
.

وفي
أثناء ذلك بدأ موسى بن نصير يُعد العدة لإمداد طارق بن زياد بعد أن انطلق
إلى هذه الأماكن البعيدة الغائرة في وسط الأندلس، فجهز من المسلمين ثمانية
عشر ألفا
.

ولكن من أين جاءوا وقد كان جيش الفتح لا يتعدى الاثنا عشر ألفا؟!وذلك
أن الناس من مشارق الأرض و مغاربها قد انهمروا على أرض الأندلس حين علموا
أن فيها جهادا، فقد كان جل الاثني عشر ألف مسلم الذين فتحوا الأندلس مع
طارق بن زياد من البربر، أما هؤلاء الثمانية عشر ألفا فهم من العرب الذين
جاءوا من اليمن والشام والعراق، اجتازوا كل هذه المفاوز البعيدة حتى وصلوا
إلى بلاد المغرب، ثم عبروا مع موسى بن نصير إلى بلاد الأندلس نصرة ومددا
لطارق بن زياد
.

موسى بن نصير وأعمال عظام في طريقه إلى طارق بن زياد

عبر
موسى بن نصير بجيشه إلى بلاد الأندلس وكان ما توقعه؛ فقد وجد أن النصارى
قد نقضوا عهدهم مع طارق في أَشبيليّه، وهي المدينة الحصينة الكبيرة التي
كانت قد صالحت طارقا على الجزية، وكانوا قد جهّزوا العدة كي يأتوا طارقا من
خلفه، ولكن يُقدّر الله أن يفاجَئوا بجيش موسى بن نصير رضي الله عنه وهو
قادم فيحاصر أشبيليه
.

كان
موسى بن نصير قائدا محنّكا، له نظرة واعية وبُعد نظر ثاقب، ولم يكن يومًا
كما يدعي أناس أنه عطّل طارق بن زياد عن الفتح حسدا أن ينسب إليه وحده فتح
بلاد الأندلس، ومن ثم أراد أن يُشْرَك في الأمر معه
.

فإن
طارق بن زياد من عمال موسى بن نصير، وواليه على الأندلس، وحسنات طارق بن
زياد تعد في ميزان موسى بن نصير رحمهما الله؛ فقد دخل الإسلام على يديه،
وقد كان أقصى مراد موسى بن نصير هو النصر لجيش المسلمين وعدم الهلكة له
بعيدا عن أرضه. ومن ثم فقد قدم موسى بن نصير وحاصر أشبيليه حصارا شديدا غاب
مداه شهورا حتى فتحت أبوابها أخيرا، ثم جوّزها موسى بن نصير إلى الشمال،
ولم يكن يفتح المناطق التي فتحها طارق بن زياد، وإنما اتجه ناحية الشمال
الغربي وهو الاتجاه الذي لم يسلكه طارق بن زياد؛ فقد أراد استكمال الفتح
ومساعدة طارق بن زياد وليس أخذ النصر أو الشرف منه
.

واصل
موسى بن نصير سيره نحو طارق بن زياد وفي طريقه فتح الكثير من المناطق
العظيمة حتى وصل إلى منطقة تسمى مَرْدَه، كل هذا وطارق بن زياد في طليطلة
ينتظر قدومه، وكانت مرده هذه من المناطق التي تجمّع فيها كثير من القوط
النصارى، فحاصرها موسى بن نصير حصارا بلغ مداه أيضا شهورا، كان آخرها شهر
رمضان، ففي أواخره وفي عيد الفطر المبارك وبعد صبر طويل فتحت المدينة
أبوابها، وصالح أهلها موسى بن نصير على الجزية، فهكذا كانت تمر الأعياد على
المسلمين
.

لم
يكتف موسى بن نصير بذلك، بل أرسل ابنه عبد العزيز بن موسى بن نصير رضي
الله عنهم الذي تربى كأبيه وجده على الجهاد؛ ليفتح مناطق أوسع ناحية الغرب،
وقد توغل عبد العزيز في الغرب كثيرا، حتى إنه في فترات معدودة فتح كل غرب
الأندلس والتي تسمى حاليا دولة البرتغال، فقد وصل إلى لشبونة وفتحها ثم فتح
البلاد التي في شمالها، وبهذا يُعد عبد العزيز بن موسى بن نصير فاتح
البرتغال
.

موسى بن نصير وطارق بن زياد.. لقاء الأبطال واستكمال الفتح

ذكرت
بعض المصادر أنه لما التقى موسى بن نصير وطارق بن زياد أمسك موسى بطارق
وعنفه ووبّخه، بل تذكر أنه قيّده وضربه بالسوط. والحقيقة أن مثل هذا لم يأت
إلا من خلال الروايات الأوروبية فقط، وهو لم يحدث على الإطلاق، والذي حدث
أن موسى بن نصير قد عنّف طارق بن زياد بالفعل على معصيته له بعدم البقاء في
قرطبة أو جيّان واستمراره حتى طليطلة كما ذكرنا، وقد كان تعنيفا سريعا إلا
أنه كان لقاء حارا بين بطلين افترقا منذ سنتين كاملتين، منذ رمضان سنة
اثنتين وتسعين من الهجرة وحتى ذي القعدة سنة أربع وتسعين.. فقد أخذت الحملة
التي قادها طارق بن زياد حتى وصل إلى طليطلة عاما كاملا، وكذلك استغرقت
الحملة التي قادها موسى بن نصير حتى قابل طارق في نفس المكان عاما كاملا
.

وبعد
اللقاء اتحدا سويا واتجها معا إلى فتح منطقة الشمال والشمال الشرقي
والشمال الغربي، فبدآ بمنطقة الشمال ومرّا بمناطق عدة، كان منها على سبيل
المثال منطقة برشلونة ففتحاها سويا (الكثير لا يعلم عن برشلونة إلا أن هذا
اسم فريق كرة قدم متميز، ولم يدر بخلده أنه في يوم ما كان قد دخلها
المسلمون الفاتحون وحكّموا فيها شرع الله سبحانه وتعالى
).

وهكذا
كانت همم الأجداد المسلمين التي ناطحت السحاب، فقد اتجها بعد ذلك سويا إلى
مدينة سَرَقُسْطَة وهي أعظم مدن الشمال الشرقي ففتحوها، واتجها أيضا إلى
منطقة شمال الوسط، ثم إلى الشمال الغربي
.

وفي
منطقة الشمال قام موسى بن نصير بعمل يُحسد عليه؛ فقد أرسل سرية خلف جبال
البِرِينيه، وهي الجبال التي تفصل بين فرنسا وبلاد الأندلس، وتقع في الشمال
الشرقي من بلاد الأندلس، عبرت هذه السرية جبال البرينيه ثم وصلت إلى مدينة
تُسمّى أربونة، وتقع هذه المدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبذلك
يكون موسى بن نصير قد أسس نواة لمقاطعة إسلامية سوف تكبر مع الزمان كما
سيأتي بيانه بمشيئة الله.


وبعد
هذه السرية الوحيدة التي فتحت جنوب غرب فرنسا اتجه موسى بن نصير بجيشه إلى
الشمال الغربي حتى وصل إلى آخره، وقد ظل المسلمون يفتحون مدن الأندلس
المدينة تلو الأخرى حتى تم الانتهاء من فتح كل بلاد الأندلس، إلا منطقة
واحدة في أقصى مناطق الشمال الغربي وتُسمى منطقة الصخرة أو صخرة بيليه، وهي
تقع على خليج بسكاي عند التقائه مع المحيط الأطلنطي.


[size=16]ففي
زمن قُدّر بثلاث سنوات ونصف السنة، ابتدأ من سنة اثنتين وتسعين من الهجرة،
وانتهى في آخر سنة خمس وتسعين من الهجرة كان قد تم للمسلمين فتح كل بلاد
الأندلس خلا صخرة بيليه هذه، ورغم أن المسلمين حاصروها حصارا طويلا إلا
أنهم لم يستطعوا أن يفتحوها، وعزم موسى بن نصير رحمه الله على أن يتم فتح
هذه الصخرة ويستكمل الفتح إلى نهايته، إلا أنه حدث ما لم يجل بخاطره.

رسالة الوليد بن عبد الملك ووقف الفتوحات

من
أقصى بلاد المسلمين من دمشق من أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك تصل
رسالة إلى موسى بن نصير وطارق بن زياد بأن يعودا أدراجهما إلى دمشق ولا
يستكملا الفتح، أمر عجيب وغريب! حزن له موسى بن نصير وأسف أشد الأسف، لكن
لم يكن بُدّا من الاستجابة والعودة كما أُمر
.

ولنا
أن نندهش مع موسى بن نصير لماذا هذا الأمر الغريب؟! ولماذا كان في هذا
التوقيت بالذات؟! إلا أن هذه الدهشة سرعان ما تتبخر حين نعلم سبب ذلك عند
الوليد بن عبد الملك، وكان ما يلي
:


1-
كان
الوليد بن عبد الملك يشغله همّ توغل المسلمين بعيدا عن ديارهم، فهو
المسئول عن المسلمين الذين انتشروا في كل هذه المناطق الواسعة، وقد رأى أن
المسلمين توغلوا كثيرا في بلاد الأندلس في وقت قليل، وخشي رحمه الله أن
يلتف النصارى من جديد حول المسلمين، فإن قوة المسلمين مهما تزايدت في هذه
البلاد، فهي قليلة وبعيدة عن مصدر إمدادها، فأراد ألا يتوغل المسلمون أكثر
من هذا
.

2-
كان
من الممكن للوليد بن عبد الملك أن يوقف الفتوح دون عودة موسى بن نصير
وطارق بن زياد، لكن كان هناك أمر آخر عجيب قد سمعه الوليد بن عبد الملك
جعله يُصرّ على عودة موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق، وهو أنه قد وصل
إلى علمه أن موسى بن نصير يريد بعد أن ينتهي من فتح بلاد الأندلس أن يفتح
كل بلاد أوروبا حتى يصل إلى القسطنطينية من الغرب
.

كانت
القسطنطينية قد استعصت على المسلمين من الشرق، وكثيرا ما ذهبت جيوش الدولة
الأموية إليها ولم تُوفّق في فتحها. وهنا فكر موسى بن نصير أن يخوض كل
بلاد أوروبا، فيفتح فرنسا ثم إيطاليا ثم يوغوسلافيا ثم رومانيا ثم بلغاريا
ثم منطقة تركيا، حتى يصل إلى القسطنطينية من جهة الغرب،


أي
أنه سيتوغل بالجيش الإسلامي في عمق أوروبا منقطعا عن كل مدد. فأرعب هذا
الأمر الوليد بن عبد الملك، وفكر فيما لو احتاج هذا الجيش إلى مدد؟ فالمدد
على بعد شهور منه، ويفصل بينه وبين بلاد المسلمين بحار وجبال وأراض واسعة،
فخشي الوليد بن عبد الملك على جيش المسلمين من الهلكة وعجل بأمر عودة موسى
بن نصير وطارق بن زياد
.

هِمّة عالية

وهنا
لا بد لنا أن نقف وقفة عند هذه الهمّة العالية التي كانت بادية عند موسى
بن نصير، خاصة إذا علمنا أنه عندما كان يفكر هذا التفكير كان يبلغ من العمر
خمسة وسبعين سنة
.

فلله
دره.. شيخ كبير ومع ذلك يجاهد في سبيل الله ويركب الخيول ويفتح المدينة
تلو المدينة، يحاصر أشبيليّة شهورا ويحاصر مرده شهورا، ثم يفتح برشلونة
وسرقسطة والشمال الشرقي، ثمّ يتجه إلى الشمال الغربي ويتجه إلى الصخرة
فيحاصرها، ثم يريد أن يفتحها ويتجه إلى فرنسا وإيطاليا وغيرها حتى يصل إلى
القسطنطينيّة
.

أي
همّة هذه التي عند هذا الشيخ الكبير التي تجعله يفعل كل هذا ويؤمّل لهذا
التفكير وسنه خمس وسبعون سنة! إنه ليضرب المثل لرجالات المسلمين اليوم
وشيوخهم الذين بلغوا سنه أو أقل منه وظنوا أنهم قد (خرجوا على المعاش)
وانتهت رسالتهم بخروجهم هذا، فهي رسالة واضحة لهم بأن رسالتهم في الحياة لم
تنته بعد، فمن لتعليم الأجيال؟! ومن لتوريث الخبرات؟! ومن لتصحيح
المفاهيم؟
!

فقد
بدأ موسى بن نصير فتح الشمال الإفريقي وقد تجاوز أكثر من ستين سنة، أي
تجاوز سن المعاش في زمننا هذا، ثم وهو في سن الخامسة والسبعين يحزن حزنا
شديدا ولكن على ماذا كان حزنه؟


حزن
أولا على أمر الوليد بن عبد الملك له بتركه أرض الجهاد، فقد كان متشوقا جدا
له؛ ليتعرض للشهادة لكنها لم تصبه. ثم حزن ثانيا حزنا شديدا لأن الصخرة لم
تفتح بعد، ثم حزن ثالثا وكان حزنه أشد لأنه لم يستكمل حلم فتح القسطنطينية
من قِبَل الغرب كما كان يتمنى
.

عودة وأُمنية..

لم
يجد موسى بن نصير إلا أن يسمع و يطيع لأمر الوليد بن عبد الملك، فأخذ طارق
بن زياد وعاد أدراجه إلى دمشق، وعندما وصل وجد الوليد بن عبد الملك في مرض
الموت، وما هي إلا ثلاثة أيام حتى مات وتولى الخلافة من بعده أخوه سليمان
بن الملك، وكان على رأي أخيه في استبقاء موسى بن نصير في دمشق خوفا على
هلكة جيش المسلمين في توغله داخل بلاد أوروبا نحو القسطنطينية
.

وبعد
عام من قدوم موسى بن نصير وسنة سبع وتسعين من الهجرة كان سليمان بن عبد
الملك ذاهبا إلى الحج، الأمر الذي وافق اشتياقا كبيرا من قِبَل موسى بن
نصير؛ فقد عاش في أرض الجهاد في شمال أفريقيا وبلاد الأندلس أكثر من عشر
سنين لم يعد فيها مرة واحدة، فما كان منه إلا أن رافق سليمان بن عبد الملك
في طريقه إلى الحج في ذلك العام
.

وفي
طريقه إلى هناك قال موسى بن نصير: اللهم إن كنت تريد ليَ الحياة فأعدني
إلى أرض الجهاد، وأمتني على الشهادة، وإن كنت تريد ليَ غير ذلك فأمتني في
مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم. ووصل رضي الله عنه إلى الحج، وبعد
حجه وفي طريق عودته مات في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دفن مع
الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
.

وهكذا
كانت همم الصالحين وقلوب الموصولين برب العالمين، بلغ من العمر عِتِيّا
إلا أنه قَدّم أكثر مما عاش، ظل قلبه معلقا بحب ربه سبحانه وتعالى حتى دعاه
فكانت الخاتمة وكانت الإجابة، عاش بين الأسنّة في أقصى بلاد الأندلس إلا
أنه مات بعد الحج في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلله دره من قائد
وقدوة
.

أما
رفيق الدرب طارق بن زياد فقد انقطعت أخباره كلية عند هذه المرحلة عند
عودته إلى دمشق مع موسى بن نصير، ولا أحد يدري هل عاد مرة أخرى إلى الأندلس
أم بقي في دمشق؟! وإن كان هناك بعض الروايات التي لم يتوثق من صحتها تقول
أنه توفي سنة مائة واثنتين أي بعد العودة من الأندلس بخمس أو ست سنين
تقريبا، لكن لم يعرف أفي دمشق أم في غيرها
.

الصخرة.. والدرس الصعب

عاد
موسى بن نصير وطارق بن زياد من الأندلس بعد أن تخطى المسلمون بلاد الأندلس
ووصلوا بفتوحاتهم إلى غرب فرنسا، إلا أنه كانت هناك منطقة صغيرة جدا في
أقصى الشمال الغربي من بلاد الأندلس لم تفتح بعد، ولم يخطر على بال أحد من
المسلمين أنه سيأتي يوم ما وتكون تلك المنطقة هي نواة الممالك النصرانية
التي ستنشأ فيما بعد، وصاحبة اليد الطولى في سقوط الأندلس بعد ذلك بقرون
.

تلك
هي منطقة الصخرة التي لم يستكمل المسلمون فتحها وتهاونوا فيها، وكان فيها
طائفة كبيرة من النصارى، و أغلب الظن أنه لو كان موسى بن نصير أو طارق بن
زياد في هذا المكان ما تركوها، إلا أننا نستطيع أن نقول: إن التهاون في أمر
بسيط جدا قد يؤدي إلى ويلات عظيمة على مرور الزمن، فلا بد أن يأخذ
المسلمون كل أمورهم بالعزم والحزم وعدم الطمأنينة إلا في استكمال النهايات
على أتمها
.

انتهاء عهد الفتح

برجوع
موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق تكون قد انتهت فترة هي من أهم
الفترات في تاريخ الأندلس، وقد أُطلق عليها في التاريخ عهد الفتح؛ حيث إن
تاريخ الأندلس يُقسّم إلى فترات أو عهود بحسب طريقة الحكم وبحسب نظام
المُلك في هذه الفترات، وعهد الفتح هذا كان قد بدأ سنة اثنتين وتسعين من
الهجرة، وانتهى سنة ست وتسعين من الهجرة أو أواخر خمس وتسعين
.

وبهذا
يكون عهد الفتح قد ظل ثلاث سنوات ونصف السنة فقط، وهذا بحساب كل العسكريين
يُعدّ معجزة عسكريّة بكل المقاييس، معجزة عسكرية أن تفتح كل هذه البلاد
بكل الصعوبات الجغرافيّة التي فيها من جبال وأنهار وأرض مجهولة للمسلمين،
معجزة عسكرية أن يتمكن المسلمون في ثلاث سنوات ونصف فقط من السيطرة على
بلاد الأندلس خلا هذه المنطقة الصغيرة في أقصى الشمال الغربي والتي تسمى
منطقة الصخرة أو صخرة بليه، معجزة عسكرية لم توجد إلا في تاريخ المسلمين.

عهد الولاة
بعد
انتهاء عهد الفتح السابق يبدأ عهد جديد في تاريخ الأندلس يسمى في التاريخ
عهد الولاة، وهو يبدأ من سنة ست وتسعين من الهجرة ويستمر مدة اثنين وأربعين
عاما حيث ينتهي سنة مائة وثمان وثلاثين من الهجرة
.

وعهد
الولاة يعني أن حُكم الأندلس في هذه الفترة كان يتولاه واليا يتبع الحاكم
العام للمسلمين، وهو الخليفة الأموي الموجود في بلاد الشام في دمشق
.

كان
أول الولاة ولاية على الأندلس هو عبد العزيز بن موسى بن نصير وذلك بأمر من
سليمان بن عبد الملك رحمه الله، وكان كأبيه في جهاده وتقواه وورعه، كان
يقول عنه أبوه موسى بن نصير: عرفته صوّاما قوّاما. فحكم الأندلس ووطّد فيها
الأركان بشدة، وتوالى من بعده الولاة
.

إذا
نظرنا إلى عهد الولاة الذي استمر اثنين وأربعين عاما نرى أنه قد تعاقب
فيها على حكم الأندلس اثنين وعشرون واليا.. أو عشرون واليا تولى منهم اثنان
مرتين.. فيصبح مجموع فترات حكم الأندلس اثنين وعشرين فترة خلال اثنتين
وأربعين سنة، أي أن كل والٍ حكم سنتين أو ثلاث سنوات فقط
.

ولا
شك أن هذا التغيير المتتالي للحكام قد أثّر تأثيرا سلبيا على بلاد
الأندلس، إلا أن هذا التغيير المتتالي كان له ما يبرره؛ حيث كان هناك في
بادئ الأمر كثير من الولاة الذين يستشهدون أثناء جهادهم في بلاد فرنسا،
وبعد مرحلة ما كان هناك أيضا كثير من الولاة الذين يُغيَّرون عن طريق
المكائد والانقلابات والمؤامرات وما إلى ذلك
.

أي
أن هناك فترتين من عهد الولاة، الفترة الأولى تختلف بالكلية عن الفترة
الثانية، ومن هنا نستطيع أن نقسم عهد الولاة بحسب طريقة الإدارة وطريقة
الحكم إلى فترتين رئيسيتين، الفترة الأولى وهي فترة جهاد وفتوح وعظمة
للإسلام والمسلمين، وتمتد من بداية عهد الولاة من سنة ست وتسعين من الهجرة،
وحتى سنة مائة وثلاثة وعشرين من الهجرة، أي سبع وعشرين سنة
.

أما
الفترة الثانية فهي فترة ضعف ومؤامرات ومكائد وما إلى ذلك، وتستمر من سنة
مائة وثلاثة وعشرين من الهجرة وحتى سنة مائة وثمانية وثلاثين من الهجرة، أي
مدة خمس عشرة سنة، وفي تناولنا لفترتي عهد الولاة هاتين لن ندخل في ذكر
تفاصيل كل منهم، وإنما سنقتصر فقط على بعض الولاة لما لهم من الأهمية في
دراستنا هذه
.

الفترة الأولى
بصفة إجمالية فقد تميزت الفترة الأولى من عهد الولاة بعدة أمور، كان من أهمها:

1- نشر الإسلام في بلاد الأندلس

وذلك
أن المسلمين بعد أن تمكنوا من توطيد أركان الدولة الإسلامية في هذه البلاد
بدءوا يُعلمون الناس الإسلام، ولأن الإسلام دين الفطرة فقد أقبل عليه
أصحاب الفِطَر السوية من الناس عندما عرفته، واختارته بلا تردد
.

وجد
الأسبان في الإسلام دينا متكاملا شاملا ينتظم كل أمور الحياة، وجدوا فيه
عقيدة واضحة وعبادات منتظمة، وجدوا فيه تشريعات في السياسة والحكم والتجارة
والزراعة والمعاملات، وجدوا فيه تواضعا كبيرا جدا للقادة، ووجدوا فيه
كيفية التعامل والتعايش مع الأخ والأب والأم والزوجة والأبناء والجيران
والأقرباء والأصدقاء، وجدوا فيه كيفية التعامل مع العدو والأسير، مع من
تعرف ومن لا تعرف
.

لقد
تعود الأسبان فصلا كاملا بين الدين والدولة، فالدين عندهم لا يعدو أن يكون
مجرد مفاهيم لاهوتيه غير مفهومه، يتعاطونها ولكن لا يستطيعون تطبيقها، وفي
التشريعات والحكم فيشرع لهم من يحكمهم وفق هواه وما يراه، أما في الإسلام
فقد وجدوا الأمر غاية في الاختلاف؛ فلم يستطيعوا أن يتخلفوا عن الارتباط به
والانتساب إليه فدخلوا فيه أفواجا
.

وفي
فترة قليلة جدا أصبح عموم أهل الأندلس (السكان الأصليين) يدينون بالإسلام،
وأصبح المسلمون من العرب والبربر قلة بينهم، وأصبح أهل الأندلس هم جند
الإسلام وأعوان هذا الدين، وهم الذين اتجهوا بعد ذلك إلى فتوحات بلاد فرنسا
.

2- نشأة جيل المولّدين

كان
من جرّاء انصهار وانخراط الفاتحين بالسكان الأصليين أن نشأ جيل جديد عُرف
باسم جيل المولَّدين، فقد كان الأب عربي أو بربري والأم أندلسية
.

3- إلغاء الطبقية ونشر الحرية العقائدية

ألغى
المسلمون الطبقية التي كانت سائدة قبل ذلك؛ حيث جاء الإسلام وساوى بين
الناس حتى كان يقف الحاكم والمحكوم سواء بسواء أمام القضاء للتحاكم في
المظالم، وعمل المسلمون في هذه الفترة على إتاحة الحريّة العقائدية للناس،
فتركوا للنصارى كنائسهم، وما هدموها أبدا، وما كانوا يحولونها إلى مساجد
إلا إذا وافق النصارى على بيعها لهم، وكان بيع الكنائس للمسلمين يقدّر
بأثمان باهظة، أما إن رفضوا بيعها تركها المسلمون لهم . فلنلاحظ أن ذلك
والنصارى محكومون من قِبَل المسلمين، ولنعي هذا الأمر جيدا ولنقارن صنيع
المسلمين هذا بما سيفعله النصارى بعد انتهاء الحكم الإسلامي في بلاد
الأندلس فيما عُرف باسم محاكم التفتيش الأسبانية
.

4- الاهتمام بالحضارة المادية

اهتم
المسلمون في هذه الفترة كذلك بتأسيس الحضارة المادية أو المدنية، فأسسوا
الإدارة وأقاموا العمران وأنشأوا القناطر والكباري، ومما يدل على براعتهم
في ذلك تلك القنطرة العجيبة التي تسمى قنطرة قرطبة، وهي من أعجب القناطر
الموجودة في أوروبا في ذلك الزمن، كذلك أنشأ المسلمون ديارا كبرى للأسلحة
وصناعة السفن، وبدأت الجيوش الإسلامية تقوى وتتعاظم في هذه المنطقة
.

5- تقليد الأسبان للمسلمين في كل شيء

كان
من السمات المميّزة أيضا في هذه الفترة الأولى من عهد الولاة أن الأسبان
بدءوا يقلدون المسلمين في كل شيء، حتى أصبحوا يتعلمون اللغة العربية التي
يتكلمها الفاتحون، بل كان الأسبان النصارى واليهود يفتخرون بتعليم اللغة
العربية في مدارسهم
.

6- اتخاذ المسلمين قرطبة عاصمة لهم

كذلك
كان من ضمن السمات المميزة لهذه الفترة أن اتخذ المسلمون قرطبة عاصمة لهم؛
فقد كانت طليطلة في الشمال قبل ذلك هي عاصمة الأندلس، ولكن المسلمون وجدوا
أنها قريبة من فرنسا وقريبة من منطقة الصخرة وهما من مصادر الخطر عليهم،
فرأوا أن طليطلة بذلك مدينة غير آمنة ومن ثم فلا يمكن أن تكون هي العاصمة،
فكان أن اختاروا مدينة قرطبة في اتجاه الجنوب لانتفاء الأسباب السابقة،
وأيضا حتى تكون قريبة من المدد الإسلامي في بلاد المغرب
.

7- الجهاد في فرنسا

الجهاد
في فرنسا كان من أهم السمات المميزة جدا لهذه الفترة الأولى من عهد
الولاة، وقد كانت له خطوات كبيرة جدا في هذه الفترة، ونذكر هنا بعض الولاة
الذين كان لهم سبق وظهور حاضر في عملية الجهاد في بلاد فرنسا، فكان منهم
على سبيل المثال
:

السمح بن مالك الخولاني


من
حسنات الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ولاية السَّمْح بن
مالك الخولاني رحمه الله على الأندلس، فقد حكم عمر بن عبد العزيز رضي الله
عنه المسلمين سنتين ونصف على الأكثر، من سنة تسع وتسعين إلى سنة واحد ومائة
من الهجرة، وفي هذه الفترة الوجيزة عمّ الأمن والرخاء والعدل كل بلاد
المسلمين، اختار عمر بن عبد العزيز رحمه الله السمح بن مالك الخولاني، ذلك
القائد الربّاني المشهور في التاريخ الإسلامي، وهو القائد الذي انطلق إلى
بلاد فرنسا مجاهدا، كان بفرنسا مدينة إسلامية واحدة هي مدينة أربونة، تلك
التي فتحها موسى بن نصير رحمه الله بسرية من السرايا، لكن السمح بن مالك
الخولاني فتح كل منطقة الجنوب الغربي لفرنسا، ثم أسّس مقاطعة ضخمة جدا وهي
مقاطعة سبتمانيا، وتسمى الآن بساحل الريفييرا، وتعد من أشهر المنتجعات
السياحية في العالم
.

أخذ
السمح الخولاني في استكمال الفتوح في جنوب غرب فرنسا، وفي ذات الوقت أرسل
يعلم الناس الإسلام، سواء في فرنسا أو في الأندلس إلى أن لقي ربه شهيدا يوم
عرفة سنة اثنتين ومائة من الهجرة
.

عنبسة بن سحيم


تولى
بعد السمح الخولاني بعض الولاة نتجاوزهم حتى نصل إلى عنبسة بن سحيم رحمه
الله، وكان عنبسة قائدا تقيًا ورعًا، وهو الإداري العسكري المشهور، كان
مجاهدًا حق الجهاد، وقد حكم بلاد الأندلس من سنة ثلاث ومائة إلى سنة سبع
ومائة من الهجرة، وقد وصل عنبسة في جهاده إلى مدينة سانس، وهي تبعد عن
العاصمة باريس بنحو ثلاثين كيلو مترا، وباريس هذه ليست في وسط فرنسا وإنما
تقع في أقصى الشمال منها، وهذا يعني أن عنبسة بن سحيم قد وصل إلى ما يقرب
من سبعين بالمائة من أراضي فرنسا، ويعني هذا أيضا أن سبعين بالمائة من
أراضي فرنسا كانت بلادًا إسلامية، وقد استشهد عنبسة بن سحيم رحمه الله وهو
في طريق عودته
.

عبد الرحمن الغافقي


بعد
استشهاد عنبسة رحمه الله بدأت الأمور في التغير؛ فقد تولى حكم الأندلس من
بعده مجموعة من الولاة على غير عادة السابقين، كان آخرهم رجل يدعى الهيثم
الكلابي، وكان عربيًا متعصبًا لقومه وقبيلته
.

ومن
هنا بدأت الخلافات تدب بين المسلمين، المسلمون العرب من جهة والمسلمون
البربر من جهة أخرى، خلافات بحسب العرق وبحسب العنصر، وهو أمر لم يحدث في
تاريخ المسلمين منذ فتح المسلمون هذه المناطق حتى هذه اللحظة
.

لم
تمر خلافات العصبيات هذه مرور الكرام، وإنما دارت معارك ومشاحنات بين
المسلمين العرب وبين المسلمين البربر، حتى منّ الله على المسلمين بمن قضى
عليها ووحّد الصفوف من جديد، و بدأ يبث في الناس روح الإسلام الأولى التي
جمعت بين البربر وبين العرب، والتي لم تفرق بين عربي ولا أعجمي إلا
بالتقوى، ذلك هو عبد الرحمن الغافقي رحمه الله
.

بعد
أن وحّد عبد الرحمن الغافقي المسلمين وتيقن أن قوة الإيمان قد اكتملت،
توجه بهم ناحية فرنسا ليستكمل الفتح من جديد، ودخل مناطق لم يدخلها
السابقون، فوصل إلى أقصى غرب فرنسا، وأخذ يفتح المدينة تلو المدينة، ففتح
مدينة آرل ثم مدينة بودو (وهي موجودة الآن) ثم مدينة طلوشة ثم مدينة تور ثم
وصل إلى بواتيه، وهي المدينة التي تسبق باريس مباشرة، والفارق بينها وبين
باريس حوالي مائة كيلو متر تقريبا إلى الغرب منها، وبينها وبين قرطبة حوالي
ألف كيلو متر، أي أنه توغل كثيرًا جدًا في بلاد فرنسا في اتجاه الشمال
الغربي
.

وفي مدينة
بواتيه عسكر عبد الرحمن الغافقي في منطقة تسمى البلاط (البلاط في اللغه
الأندلسية تعني القصر)، عند قصر قديم مهجور كان بها، ثم بدأ في تنظيم جيشه
لملاقاة جيش النصارى، وكان عدد جيشه يصل إلى خمسين ألف مقاتل؛ ولذا تُعد
حملة عبد الرحمن الغافقي هي أكبر حملة تدخل إلى بلاد فرنسا
.

سلبيات وعوامل الهزيمة

رغم
ضخامة حملة عبد الرحمن الغافقي تلك إلا إنه كانت هناك مشكلة كبيرة تكاد
تفتك بها، وهي أن هذه الحملة كانت قد فتحت مدنا كثيرة حتى وصلت إلى بواتيه،
ومن ثم فقد جمعت من الغنائم الكثير الذي زاد وثقل في أيدي المجاهدين، وهنا
بدأ المجاهدون ينظرون إلى هذه الغنائم ويفتنون بهذه الأموال الضخمة التي
حصّلوها
.

ونتيجة هذا
فقد اشتهر بين الناس فكرة العودة إلى بلاد الأندلس لحفظ هذه الغنائم هناك
حتى لا يحصل عليها الفرنسيون، لكن عبد الرحمن الغافقي رحمه الله جمع الناس
وقال مخاطبا إياهم: ما جئنا من أجل هذه الغنائم، وما جئنا إلا لتعليم هؤلاء
الناس هذا الدين، ولتعبيد العباد لرب العباد سبحانه وتعالى، وأخذ يحفزهم
على الجهاد والموت في سبيل الله، ثم انطلق بالجيش إلى بواتيه رغما عن أنف
الجنود
.

عندما وصل
عبد الرحمن الغافقي بالجيش إلى بواتيه ظهرت ثمة أمور أخرى جديدة؛ فقد تجددت
العصبيات التي كانت قد اندحرت في بلاد الأندلس بين العرب والبربر من جديد؛
وذلك بسبب كثرة الغنائم، فقد اختلفوا في توزيعها رغم أنه معروف ومتفق
عليه، أخذ كلّ ينظر إلى ما بيد الآخر، وكلّ يريد الأكثر، يقول العرب أنهم
أحق لأفضليتهم، ويقول البربر نحن الذين فتحنا البلاد، ونسي الجميع أن
الفاتحين الأوائل ما فرقوا أبدًا بين عرب وبربر، بل وبينهم وبين من دخل
الإسلام من الأندلسيين بعد ذلك،


وإضافة
إلى العصبية وحب الغنائم والحرص عليها فقد اجتمع إلى جوارهما الزهو
والاغترار بالكثرة والعدد الضخم، فخمسون ألفا من المجاهدين عدد لم يسبق في
تاريخ الأندلس، فأخذتهم العزة، وظنوا أنهم لن يغلبوا بسبب كثرتهم هذه، ومن
بعيد تلوح في الأفق حُنينًا جديدة [وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ
الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ] {التوبة:25}
فالمسلمون لم ينتصروا أبدًا بعدتهم ولا عتادهم، وإنما كانوا ينتصرون
بطاعتهم لله ومعصية عدوهم له سبحانه وتعالى، وللأسف الشديد فرغم وجود هذا
القائد الرباني التقي الورع إلا أن عوامل الهزيمة داخل الجيش الإسلامي كانت
كثيرة وأقوى منه
.

بلاط الشهداء.. أشرس المعارك الإسلامية على الإطلاق

ما
رأينا كان حال جيش المسلمين، أما جيش النصارى فقد قَدِم من باريس بنحو
أربعمائة ألف مقاتل، أي ما يقرب من ثمانية أضعاف الجيش الإسلامي، وكان على
رأسهم رجل يسمى تشارل مارتل، ويطلقون عليه في العربية: قارله، أما مارتل
فهو لقبه ويعني المطرقة، وكان لقّبه به بابا إيطاليا؛ لأنه كان شديدًا على
أعدائه، وكان من أقوى حكام فرنسا على الإطلاق، كانت ضخامة جيش الأعداء أمر
قد اعتاد عليه المسلمون أو الفاتحون الأوائل، فلم تكن لتهزّهم مثل هذه
الأرقام التي قدم بها النصارى من باريس، لكن جيش المسلمين كان فيه من عوامل
الضعف الكثير، وفوق ذلك فهو يبعد عن أقرب مركز إمداد له وهو قرطبة بنحو
ألف كيلو متر كما ذكرنا قبل قليل
.

في
منطقة بواتيه، وفي موقعة من أشرس المواقع الإسلامية على الإطلاق، التقى
الجمعان ودارت رحى الحرب، جَمْع المسلمين بما فيه من العوامل التي ذكرناها
سابقا من جهة، وجمع النصارى الذي يفوق جيش المسلمين بنحو ثمانية أضعاف
كاملة من جهة أخرى، وكانت البداية في شهر رمضان من سنة مائة وأربعة عشر من
الهجرة، واستمر القتال لمدة عشرة أيّام متصلة،


ورغم
عدم تكافؤ القوتين لصالح النصارى، إلا أن الغلبة في بداية المعركة كانت
للمسلمين على قلة عددهم، لكن النصارى في نهاية المعركة فَطِنوا إلى كمية
الغنائم الضخمة التي كانت خلف الجيش الإسلامي، فالتفوا حول الجيش وهاجموا
الغنائم وبدءوا يسلبونها، ولأن حب الغنائم كان قد أخذ موقعا في قلوب
المسلمين، فكان أن ارتبك المسلمون وأسرعوا يحموا الغنائم الكثيرة، فحدثت
هزة في وحدة صف الجيش الإسلامي وارتباك شديد، كانت نهايته هزيمة قاسية
للجيش الإسلامي في هذه الموقعة، موقعة بواتيه، أو موقعة بلاط الشهداء (بلاط
هو القصر الذي دارت عنده الحرب، والشهداء لكثرة شهداء المسلمين في هذه
المعركة
).

لم تذكر
الروايات الإسلامية حصرا دقيقا لشهداء المسلمين في بلاط الشهداء، إلا أن
بعض الروايات الأوروبية بالغت كثيرًا في أعداد قتلى المسلمين فيها، فتذكر
بعضها أن قتلى المسلمين في بلاط الشهداء بلغ خمسة وسبعين وثلاثمائة ألف
مسلم، وهو بلا شك رقم مبالغ فيه جدًا؛ لأن جيش المسلمين في الأساس لم يتعد
حاجز الخمسين ألفا
.

وفي
رواياتهم يقول الأوروبيون متخوفين أنه لو كان انتصر المسلمون في بلاط
الشهداء على الفرنسيين لفتحت أوروبا جميعا، ولدُرِّس القرآن في جامعات
أوكسفورد وغيرها من الجامعات الأوروبية، ووالله إنها لتعاسة لهم وخسران أن
لم يتصر المسلمون، فلو انتصروا لكان قد انتشر الخير في هذه البلاد، لكنهم
ظلوا في ضلالتهم وظلوا في غيهم يعمهون ويعبدون غير الله سبحانه وتعالى
ويشركون به
.

بعد هذه
المعركة انسحب المسلمون إلى الداخل، ومع أنهم هُزموا وانسحبوا إلا أنها لم
تكن هزيمة ساحقة كما صورها الأوربيون، بدليل أن جيش النصارى لم يتبع جيش
المسلمين حيث انسحبوا، وكان من عادة الجيوش أنها تتتبع الجيش الفار، بل
اكتفى النصارى بما أخذوه من غنائم وما قتلوه من قتلى من المسلمين
.

وقفة مع بلاط الشهداء

يقول
الله تعالى في كتابه الكريم: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ
حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ
بِاللهِ الغَرُورُ] {فاطر:5}. فالملاحظ أن المسلمين قد اغتروا بهذه الدنيا
التي فتحت عليهم فتنافسوها، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى
عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ
الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا
كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ
.

فسنة
لله تعالى في خلقه أنه إن فتحت الدنيا على المسلمين وتنافسوها كما تنافسها
من كان قبلهم من الأمم السابقة، فإنها ستهلكهم أيضا كما أهلكت هذه الأمم
السابقة [فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا] {فاطر:43
}.

أمر
آخر كان في جيش المسلمين وكان من عوامل الهزيمة وهو العنصرية والعصبيّة
القبليّة التي كانت بين العرب والبربر في هذه الموقعة، ولقد شاهد الفرنسيون
أثر هذا الذي نشأ بين العرب وبين البربر، ووعت الكتب الفرنسية هذا الأمر
جيدا، وظل في ذاكرتها على مدار التاريخ حتى مرت الأيام ومرت السنوات ودخلت
فرنسا بلاد الجزائر واحتلتها من سنة ألف وثمانمائة وثلاثين، وحتى سنة ألف
وتسعمائة وستين ميلادية، فحين قامت الحركات الاستقلاليّة منذ سنة ألف
وتسعمائة وعشرين وما بعدها، وحين فكرت فرنسا في القضاء على هذه الحركات
الاستقلالية الناشئة لم تجد أمامها إلا إشاعة الفتنة بين العرب والبربر
وضربهم ببعضهم البعض، فكانت تشيع داخل البربر أنهم قريبون من العنصر الآري
(وهو العنصر الأوروبي)، وبعيدون عن العنصر السامي (وهم العرب)، أي أنتم منا
ونحن منكم والعرب بيننا غرباء؛ وذلك للتشابه الكبير بين البربر
والأوروبيين في الشكل الخارجي الأمر الذي لا يعترف به الإسلام ولا يقره على
الإطلاق فالمعيار الوحيد في التفاضل في الإسلام هو التقوى
.

ولم
تكتف فرنسا بذلك، بل قامت بتكثيف تعليم اللغة الفرنسية في مناطق البربر،
ومنعت تعليم اللغة العربية في هذه المناطق أصلا؛ وذلك حتى يتم فصل البربر
عن العرب تماما في منطقة الجزائر، وهي وإن كانت قد نجحت في أمر اللغة بعض
الشيء إلا إنها لم تفلح على الإطلاق في تحويل ديانة البربر الإسلامية إلى
النصرانية، فظل البربر على إسلامهم وإن كانت لغتهم قد تغيّرت، في بادئ
الأمر كان البربر الذين يعيشون في منطقة الجزائر تسمى قبائل الأمازيغ،
وكانوا يمثلون خمسة عشر بالمائة من شعب الجزائر، ورغم أن لهم لغة خاصة بهم
وهي الأمازيغية إلا أنهم كانوا يتمسكون بالعربية، لكن حين قامت فرنسا بهذا
الأمر بدأت تُذْكي الروح البربريّة في اللغة المنفردة لهذه القبائل؛ فبدأت
تعلم اللغة الأمازيغية، حتى إنها أنشأت في فرنسا عام سبعة وستين وتسعمائة
وألف أكاديمية خاصة لتعليم اللغة الأمازيغية، وبدأت تكتب اللغة الأمازيغية
بحروف لاتينية رغم أنها كانت لغة منطوقة وليست مكتوبة، قامت فرنسا كذلك
بحذف الكلمات العربية التي كانت قد دخلت هذه اللغة وأبدلتها بأخرى أصيلة في
اللغة البربرية، وبدأت بالفعل في اجتذاب الشباب من البربر لتعليمهم اللغة
الأمازيغية في فرنسا، حتى إنه في عام ثمانية وتسعين وتسعمائة وألف أنشأت ما
يسمى بالأكاديمية العالمية للبربر، فبدأت تجمع البربر من مناطق المغرب
العربي وغرب إفريقيا وتعلمهم اللغة الخاصة بهم، وكل ذلك لفصل العرب عن
البربر، تلك الجموع التي ما هي إلا جموع إسلامية ارتبطت برباط العقيدة
والدين، لكنها رأت آثار ذلك في وادي برباط وما تلاها فلم تتوان، وفي ذات
الوقت الذي تعمل فيه فرنسا جاهدة على إقامة لغة غير العربية في بلد عربي،
كانت هي فرنسا التي رفضت المشروع الذي تقدم به جوسبان رئيس وزرائها إلى
شيراك سنة تسع وتسعين وتسعمائة وألف بإقرار بعض اللغات المحلية داخل فرنسا،
والذي رد عليه شيراك بقوله: إنك بهذا تريد بلقنة فرنسا، أي تجعلها كدول
البلقان، بلاد متفرقة بحسب العرق وبحسب العنصر، حلال على الجزائر حرام على
فرنسا
.






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي
»  تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية
» تاريخ الأندلس:9-دولة المرابطين
» تاريخ الأندلس:10-بين المرابطين والموحدين
» تاريخ الأندلس: 1- الطريق إلى الاندلس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب جامعة إب :: الاقسام العلمية :: كلية الاداب :: منتدى التاريخ-
انتقل الى: