إندماج المؤسسات المالية الإسلامي

إندماج المؤسسات المالية الإسلامي

دخلت
المؤسسات المالية الإسلامية المرحلة الثالثة من عمرها ومازالت تقف عاجزة
عن تخطي التحديات المالية والفنية والتسويقية خاصة تلك المستحدثة بعد
الأزمة المالية العالمية وتلك المتعلقة بمعطيات العولمة المالية
والاقتصادية المتغيرة. وفي المقابل أثار نمو الصناعة المالية الإسلامية
خاصة بعد موقفها من الأزمة المالية العالمية شهية المؤسسات المالية
التقليدية فشرعوا بفتح النوافذ والفروع الإسلامية وأعدوا التشريعات
القانونية اللازمة لها وطوروا البنى التحتية للأسواق وغيرها من الأعمال لكي
تستوعب المنتجات المالية الإسلامية بل بعضهم ذهب لأبعد من ذلك بتحويل
الكلي للعمل وفق المنهج الإسلامي. والباعث على انتشار تلك المؤسسات المالية
التقليدية ومن ثم قدرة على الاستحواذ نسبة في الإسواق الإسلامية هي ما
تملكه من مقومات لا تمكلها المؤسسات الإسلامية كالقدرة المالية والفنية
والتسويقية وتنوع الأسواق المالية العالمية التي تستثمر فيها، فكيف
للمؤسسات الإسلامية أن تبقى بدائرة المنافسة وهي في هذه الوضعية من الضعف
المالي والفني وندرة الإبتكار والتكرار المستمر والعزلة وعدم الالتزام
بالمعايير الشرعية والمحاسبية الدولية، علاوة على ذلك فإن ثلثي المؤسسات
المالية الإسلامية مجموع موجوداتها لا يتجاوز نصف بليون دولار بينما
موجودات بنك دوتشة الألماني تبلغ 1,501 (ألف وخمسمائة مليار يورو ) بعدد
أفرع عالمية وصل إلى 1964 فرع بإجمالي موظفي بلغ 77 ألف موظف حسب التقرير
السنوي 2009، وبمقارنة نفس السنة بلغ إجمالي موجودات أكبر مصارف الإسلامية
في دول الخليج العربي بيت التمويل الكويتي 11 مليار دينار ، وبنك دبي
الإسلامي 84 مليار درهم، أما مصرف الراجحي بلغ 170730000 ريال سعودي، فهل
يعقل أن تستطيع مصارفنا أن تنافس الكيانات الاقتصادية العالمية بمفردها!

فمسألة
الرغبة في المنافسة العالمية التي تحلم المؤسسات المالية الإسلامية العيش
فيه يقف عاجزا أمام هذه الكيانات المصرفية الضخمة، والحل الوحيد لتخطي هذا
الحاجز هو الاقتناع بأهمية الإندماج بين المؤسسات المالية الإسلامية على
مستوى العالم بما فيه الإندماج التنظيمي والمالي والقانوني والمعرفي. ويجب
أن يكون الهدف من الإندماج هو تحقيق المزيد من الكفاءة والتطوير والمنافسة
والإبتكار وتحسين نوعية الخدمات والمنتجات والأفكار، والقدرة على مواكبة
التغيرات العالمية والإستجابة لها بشكل سريع. فمن غير الإندماج الإيجابي لن
يكون لنا حصة استحواذ سوقية مؤثرة على مستوى النظام الاقتصادي العالمي، بل
سنكتفي فقط بالأسواق الخليجية والعربية وبعض الأسواق الأسيوية ويسير من
أوربا وأمريكا وجميعها ينحصر بالعقار والإسهم وبصيغة واحدة هي المرابحة
للابتعاد عن شبح الخسائر وتطبيق القول الشعبي من خاف سلم.
وهنا فرضيا
أطرح سؤالا ما هو مصير المؤسسات المالية الإسلامية إن قدّر الله أن بوقوع
أزمة مالية عالمية آخرى، فهل ستستطيع المؤسسات المالية أن تتجاوز الأزمة
مرة آخرى؟ وبعبارة أدق على ماذا تعوّل المؤسسات المالية الإسلامية للوقوف
أمام أي أزمة مالية عالمية قد تحدث في المستقبل خاصة في ظل التشابك
الاستثماري العالمي بين المؤسسات الإسلامية والتقليدية؟
كذلك تواجه
المصارف الإسلامية مشكلة الاختلال في الهياكل التمويلية ذات آجال الطويلة
ويقابلها طبيعة ودائع قصيرة الأجل، فكيف لها أن توازن بين توفير احتياجات
عملية التمويل والدخول كمشارك في مشاريع تنموية طويلة الأجل وبين آجال
الإلتزامات قصيرة الأجل، خاصة في غياب سوق منظم لإصدار أو تداول للصكوك
التي تعتبر قطب الرحى للتمويل الطويل وتوفير السيولة، ويقابله قصورا في
التشريعات القانونية والفنية، والتكامل والتوافق مع المعايير الدولية
كمعايير بازل أو اتفاقيات التجارة الدولية خاصة تحرير التجارة والتي ستكون
متاحة أمام جميع المصارف، وخلاف ذلك ستزيد المؤسسات المالية الإسلامية من
عزلتها والإنكماش في الأسواق العالمية.
ومن الأمور المستغربة أيضا وبعد
مرور أربعة عقود على عمل المؤسسات الإسلامية بأن لا يكون هناك معايير
محاسبية إسلامية تلاءم متطلبات العمل المصرفي الإسلامي، أو حتى تبني فكرة
المصرف الشامل لكي يستطيع المصرف تطبيق جميع الأدوات المالية الإسلامية
وليس فقط الاعتماد على الأدوات التمويلية كالمرابحة، كذلك إستحداث دائرة
البحث والتطوير والتي يتغنى بها الجميع دون أن نرى لها أي أثر في الواقع.
ولابد
أن نعي بأن الغرب قادر على النهوض بالعمل المصرفي والاستثماري الإسلامي
دون الحاجة للتعاون أو الإندماج أو حتى المشاركة مع مؤسساتنا الإسلامية
معتمدة على قدراتها المالية والفنية والمعرفية والبحثية وحتى السياسية،
وبالتالي تقديم منتج إسلامي بأيدي غير إسلامية وسيكون لها الريادة بل ستكون
هي benchmark للمؤسسات المالية الإسلامية! فسبحان الله الزمن يكرر نفسه،
فكما كنا سابقا في العصر الذهبي للإسلام الرواد في كل شيء فالعلم والطب
والرياضيات والهندسة وسائر العلوم والأخلاق والدين، ثم وبسبب تغليب المصالح
الخاصة على العامة والحسد والتواكل والعزلة تغيرت مواقع المعادلة لنكون
نحن في الأسفل والغرب بالأعلى بعلومنا وبفكرنا لكنهم طورها وجعلوها قاعدة
يرتكزون عليها فوصلوا إلى ما هم عليه الآن من قوة ونفوذ وتحكم، ها نحن الآن
الرواد في الصناعة المالية الإسلامية وسيأتي يوما ونكون في أسفل القائمة
إذا لم تتدارك المؤسسات المالية الإسلامية نفسها وتصحح مسارها بالإندماج أو
بتطوير كفاءتها، والأسباب هي ذاتها الحسد وتغليب المصالح الخاصة على
المصالح العامة والتقابل لا التكامل والاعتقاد بأننا الأفضل والأنفع
والأقوى وكل شيء على وزن الأفعل.
خلاصة القول المؤسسات المالية
الإسلامية تقبع خلف ثلاث أسوار أولهما صغر حجم أصولها مقارنة بالكيانات
الاقتصادية العالمية، ثانيهما تعدد حدة المنافسة سواء منافسة داخلية بين
المؤسسات المالية الإسلامية أو خارجية مع المؤسسات العالمية التقليدية،
وثالثهما سور الجمود في مواكبة التطورات العمل المصرفي الحديث مما يقلل
الكفاءة الفعالية العالمية وبالتالي الصمود أما منافسة المصارف العملاقة،
والحل يكمن في الإندماج الكلي أو التخصصي بين المصارف الإسلامية أو حتى بين
المؤسسات المالية الإسلامية والمؤسسات التقليدية مع التأكيد على الضوابط
الشرعية، لكي نستطيع أن نصل لكل الأسواق العالمية خاصة السوق الصيني التنين
النائم الذي يعتبر المحطة العالمية الاقتصادية القادمة.
فإن لم نندمج الآن طواعية ونحن بالمقدمة سنندمج قسرا ونحن بالركب الأسفل.