لوحة بفرشاة الخيال

لوحه بفرشاة الخيال

آثرت أن أعوم في بحرِ الخيال في لحظة حزنٍ
مُزْمِن - بعد أن سَئِمت الواقع الكئيب - عملاً بوصيةٍ قديمة تقول: أَطفئ
عيونَك، وعِشْ في الخيال إن استطعتَ!



أغمضتُ عيني، وخرجت من طوق الواقع إلى فسحة الخيال مسرعًا، كهاربٍ من وجه العدالة المزعومة! عدالة الواقع!



أرسلتُ روحي فتلمَّست بين السحاب مدارًا لها، وارتفعت على حدِّ النجوم فأبصرت عوالِم أخرى، وديارًا قدسية فوق الديار.



لستُ فيلسوفًا لأصنع حكمة، ولكني جمحتُ إلى الخيال عاشقًا مُدْنَفًا؛ لأن أشواكه هي النِّسْرِين والأُقْحُوان!



ولأن أجمل ما في الوجود أن تصنع عالَمك ولو من لبنات الأحلام، وأن تَبنِي صَرْحَك الشاهِقَ في الخيال أولاً.. أولاً.



أحلامك التي إذا امتلكتها امتلكت حقيقتك.



أليست الأحلام وحدَها مَن تشعل القمر نورًا، ولو كان في واقعه منطفئًا؟!




أليستْ وحدها من تَعبُر بك المحيطات، ولو كنت في زنزانة فردية وقد استحكم القيد حول مِعْصَمك، كما تستحكم الهالة حول القمر؟!



أَيُلامُ كاتبٌ مثلي - يَشتَهِي الأوراق
والأقلام، ويرى فيها فاكهة حياته - إن قال: صنعت من الخيال عالمًا رَحْبًا
من الأدب، وكتبت روائع الجمل فقط حين غمستُ حروفي بدواة الخيال!



في الخيال لا تكون صورتك في معناها سوى روح محلِّقة، تلك الروح التي تمكِّن الأعرج أن يَرْكُض في مُرُوجِ الورد وبين حقول اليَاسَمين!



وحدها الروح مَن تمنح المكفوفَ نعمةَ البصر مرةً أخرى، حين يرى لون السماء بعُيُون قلبِه، لا بعيون رأسه!



ثمَّ من أين لأولئك الذين يزعمون أن الخيال مرض أن يعلموا أن الخيال لو كان مرضًا، لكان الرضا بالواقع البائس أول َأعراضِه؟!




الواقع الذي يتناسل فيه النفاق، وتعشعش فيه الرذيلة، ثم لا نتحداه برسم الواقع الجديد بفرشاة الأحلام وألوان الخيال!



ثمَّ كيف يكون الخيال مرضًا، والمرض ليس
سوى باب يُعْيِي دَاخِليه، بينما الخيال إن كان فلن يكون سوى سحابةٍ من
النور تصل الأرض بالسماء!




بقلم /مروان بيك العزي