[rtl]حياة القلوب في رمضان[/rtl]
[rtl]الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:[/rtl]
[rtl]إن شهر رمضان شهر التوبة والغفران، شهر تحيى فيه القلوب، وتسموا فيه الأرواح؛ وذلك من كثرة القربات، والطاعات، من صيام، وقيام، وصدقة وجهاد، وتلاوة قرآن، وغيرها من أعمال البر والإحسان.[/rtl]
[rtl]صيام العارفين له حنين إلى الرحمن رب العالمينا[/rtl]
[rtl]تصوم قلوبهم في كل وقت وبالأسحار هم يستغفرون[/rtl]
[rtl]
فما أعظمها من أعمال تحيى معها القلوب، وتسمو معها النفوس، فمن هذا الأعمال ما يلي:[/rtl]
[rtl]1- تقوى الله: إن الغاية الحقيقة, والهدف من صيام رمضان، هو تقوى الله- سبحانه وتعالى-ومراقبته في السر والعلن، قال الله-تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183). فالصوم وسيلة عظمى لتقواه-سبحانه-، وهي جماع خير الدنيا والآخرة، يقول-صلى الله عليه وسلم-: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف) قال الله-تعالى-: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)([size=21]1[/size]).[/rtl]
[rtl]1-يقول الرازي-رحمه الله-: "إن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى؛ فإنه يردع عن الأشر, والبطر, والفواحش، ويهون لذات الدنيا, ورياستها، وذلك؛ لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، فمن أكثر منه هان عليه أمر هذين، وخفت عليه مؤونتهما، فكان ذلك رادعاً له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهوناً عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى...)([size=21]2[/size]).فالصيام هو طريق التقوى الموصل إلى رحمة الله ورضوانه, وهو سُلم الارتقاء نحو سمو النفس وعفتها وطهارتها متحررة من كل رغبات الحياة المباحة, ومن شهوات الدنيا المحللة لتلجأ إلى الله وحده مستعينةٌ بصبر جميل, وقلب مطمئن صادق الإيمان. فهي نفسٌ عائشةُ لله مستعينةٌ بالله متوجهةٌ إلى الله..فأي منزلة عظمى يبلغها الصائم بصدق عند الله-تعالى-. فالصوم ليس إلا تعويدُ النفس على الصبر وتحمل المكاره اختياراً ورغبة في تقوى الله -تعالى- ورجاء عفوه ورضاه، فكيف لا يكون القلب حياً وقد تحررت النفس عن رغبات الحياة، إنها التقوى حياة القلوب.[/rtl]
[rtl]2- الصيام: إن المسلم الصائم يجد من الحلاوة، والخشوع، والبكاء ما يحيى به قلبه، ويتمنى لو طال شهر رمضان, وذلك لما يحيى قلبه بالصيام الذي يخلو معه البال، ويُضيّقُ فيه على الشيطان، فيتفرغ القلب لمناجاة ربه-سبحانه وتعالى-، فيجد رقة في قلبه، ودموعاً في عينيه، رجاء رحمة الله، وخوفاً من عقابه، ومراقبة له -تبارك وتعالى-. وقد اختص الله هذه العبادة له فقال: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحدٌ أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفسُ محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه)([size=21]3[/size]). وفي رواية : (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصوم لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)([size=21]4)[/size].ففرحة الصائم عند فطره تتأتى من أمله ورجائه في أن يتقبل الله-تعالى-صومه معاهداً ربه بالاستمرار على درب التوبة الصادقة والنصوح، وفرحته يوم لقاء ربه حينما يحَضرُ صيامه وقيامه بهيئة طيبة يشفعان له، وإذا نظرت لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-وهو يبشرك ويهنئك بقوله الكريم: (ما من عبد يصوم في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجههُ عن النار سبعين خريفا)([size=21]5) لأدركت بأن الفرصة الرمضانية المواتية هي من فرص العمر الفريدة، ولو أثلج صدرك قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ببشارة أخرى مباركة: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)(6) لعلمت أنك أمام فرصة إسقاط العقوبات والجزاءات, ونجوت بجسدك وروحك من نار لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها ملائكة غلاظ شداد، ولعلمت أن رحمة الله أوسع من غضبه, فهلم هلم إلى الصيام. فرضاً وطوعاً(7).[/size][/rtl]
[rtl]3- تلاوة القرآن: عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن" فالرسول الله-صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة"([size=21]8[/size]). فالمسلم الحريص جديرٌ به أن يتعهد القرآن بالمدارسة والمذاكرة والتلاوة؛ لأن ذلك كله من الوسائل الفعالة في تهذيب النفس وتزكيتها، وتلاوة القُرآن إذا لازمها الخشوع والتدبّر في ألفاظه ومعانيه, فكانت وسيلة لتنوير القلب وإحيائه, فحضور القلب والفكر, والخشوع أمور هامة عند قراءة القرآن, وليحصر المسلم فكره في أنه يتلوا كلام الله-عز وجل-وأنه جالسٌ بين يدي ربه, فعليه أن يكون في غاية التوقير والتعظيم لربه, ولا بد أن يعلم المسلم أن هذا القرآن إنما أنزل ليكون هو المقصود به, وأن جميع ما فيه من أوامر ونواه إنما هو المأمور بها وهو المقصود بالانتهاء عنها, وإذا مرت به بعض عبر الأنبياء والرسل فليعلم أنها ليست قصص تسلية وإنما هي درس وعبر تشد طريقه في درب الدعوة ويستخلص منها ما يعينه على تقوية دينه, والصبر على المكاره, وتثبيت القلب {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}(هود:120).[/rtl]
[rtl]3- كان الزهري-رحمه الله-يقول-إذا دخل رمضان-: "إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام". وكان مالك إذا دخل رمضان، يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن، من المصحف. وقال عبد الرزاق: "كان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات وأقبل على تلاوة القرآن". وقال سفيان: "كان زيد اليامي إذا حضر رمضان، أحضر المصاحف، وجمع إليه أصحابه".[/rtl]
[rtl]4- صلاة التراويح: عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه)([size=21]9[/size]) . فينبغي الاعتناء بها, واحتساب الأجر والثواب من الله عليها, وما هي إلا ليالِ معدودةٍ، ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها. فكم من الصائمين والقائمين كانوا قد صلوها في الأعوام الماضية، فجاءهم الأجل؟!. فحيل بينهم وبين قيام هذا الشهر!! والنبي-صلى الله عليه وسلم-أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خوفاً من أن تفرض على أمته. وينبغي صلاتها كاملة مع الإمام؛ لأن من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة كاملة. فما أحلاها من ساعات تقوم فيها لله رب العالمين، وما أعظمها من دقائق تقضيها بين يدي أرحم الراحمين، تمضي هذا الدقائق والثواني وأنت في طاعة، وخشوع وعبادة لله-تعالى-، وغيرك يقضيها في معاصي، وذنوب، تصليها خوفاً من الله، وطمعاً في رحمته, تصليها مع المسلمين، فتحيي بها ليلك فيحيى بها قلبك، إنها صلاة التراويح حياة القلوب في رمضان.[/rtl]
[rtl]5- الاعتكاف: إن التفرغ للعبادة في بيت من بيوت الله-تعالى-بعيداً عن الأهل والأصحاب, والأحباب، والأقارب, والأولاد، يجعل القلب يعيش مع الله سبحانه-تعالى-يناجيه, ويدعوه, ويتضرع إليه، وإن هذا لمن أفضل وانجع العلاج لحياة القلوب، كيف لا تحيى وهي تناجي المولى-تبارك وتعالى-؟ كيف لا تحيى وهي قد تخلت عن كل ما يشغلها عن خالقها ورازقها؟ كيف لا تحيى وهي تعيش في بيت من بيوت الله لا يخرجها منه إلا الحاجة الضرورية، كيف لا يحيى وقد انقطع عن الدنيا وملذاتها, وشهواتها، وزخارفها؟ إنه الاعتكاف الذي تحيى معه القلوب، قلوب المؤمنين الطائعين لله-تبارك وتعالى-. فالمدار في الأعمال على القلب، كما قال الرسول-صلى الله عليه وسلم-:(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)([size=21]10[/size]). وأكثر ما يفسد القلب الملهياتُ، والشواغل التي تصرفه عن الإقبال على الله-عز وجل-من شهوات المطاعم، والمشارب، والمناكح، وفضول الكلام، والخلطة، والنوم، والصحبة، وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب، وتفسد جمعيته على طاعة الله، فشرع الله-تعالى-قربات تحمي القلب من غائلة تلك الصوارف. فكيف لا يحيى القلب وقد ابتعد عن هذه الصوارف والمشاغل التي تشغله عن مولاه وخالقه-سبحانه وتعالى-؟.[/rtl]
[rtl]6- الإنفاق: إن الإنفاق من أسباب القربات إلى الله-تعالى-ودخول الجنة، وهي لا تُنقص من مال المنفق شيئاً، بل تزيده كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:(ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه)([size=21]11[/size])، فشهر رمضان تُضاعف فيه الحسنات، وتُرفع الدرجات، فيتقرب العبد إلى مولاه بكثرة الأعمال الصالحة، فالمسلم عندما ينفق من ماله لا يكون ذلك إلا بعد صفاء قلبه, ورضا نفسه، فلما تتعود النفوس على بذل الأموال في سبيل الله, فإن ذلك من أهم العوامل في إحياء القلوب، وذلك لما يحس من عطف, ورحمة، وشفقة على المساكين، ولما يرى من معاناتهم الشديدة لهذه الحياة، فيرق قلبه, فيدفع من ماله الحلال الذي كد وتعب في جمعه لا لشيء إنما لوجه الله-سبحانه وتعالى-طمعاً في مرضاته، وهذا دليلٌ على أن هذا القلب حيٌ, ويزيد بهذا الإنفاق حياة أكثر وأكبر.[/rtl]
[rtl]7- الجهاد: إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وفضله جدُ عظيم، ولقد كان شهر رمضان في حياة الرسول-عليه الصلاة والسلام-والسلف الصالح هو شهر الجهاد، فإن أعظم معركتين-على سبيل المثال-في حياة الرسول-صلى الله عليه وسلم-كانتا في هذا الشهر الكريم؛ شهر الجهاد والتضحيات. الأولى معركة بدر الكبرى، المعركة التي كانت فرقاناً فرق الله-تعالى-به بين عهد الذل والاستضعاف, وعهد العزة والتمكين للرسول-صلى الله عليه وسلم-والمؤمنين. والمعركة الثانية: هي فتح مكة, والتي هي من أخطر وأهم المعارك في حياة الرسول الله-صلى الله عليه وسلم-؛ لأن مكة كانت مركز الجزيرة العربية، ومكان الحج والعمرة, ومهوى أفئدة الناس من كل مكان. إن كثيراً من المسلمين اليوم انعكست هذه المفاهيم في نفوسهم، فلم يعد رمضان عندهم شهر الجهاد والعمل والتضحية، وإنما أصبح شهر الكسل والبطالة، وفضول النوم، وهذا-بلا ريب-خطأ كبير، وانتكاس خطير، فالواجب أن يصحّح هؤلاء الناس نظرتهم، ويسعوا لإحياء الجهاد في ذلك الشهر خاصة، وفي سائر الأوقات عامة, والجهاد باب واسع يدخل تحته أعمال كثيرة: فهو يكون بالسلاح، ويكون بالمال، ويكون باللسان: أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وتعليماً للخير، ونشراً للدعوة إلى غير ذلك من سبل الجهاد([size=21]12[/size])، فالجهاد حياة للقلوب، إذ لا يقدم على فعله إلا من عرف ما أعد الله له من أجر عظيم، وثواب جزيل في جنات النعيم، فالقلب الحي متعلق بالله-سبحانه وتعالى-، متيقن بما أعده الله لمن أطاعه، وعمل في مرضاته.[/rtl]
[rtl] اللهم اجعل رمضان حياة لقلوبنا، اللهم وفقنا لقيامه وصيامه إنك سميع الدعاء.[/rtl]
[rtl] وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين،،،[/rtl]