لتحكم الدقيق في نشاط الجينات بواسطة جزيء «رنا» المعترض

منع نشاط بعض العوامل الوراثية (الجينات) في الخلية بطريقة محددة بواسطة جزيء (رنا) المعترض، ويسمى العرقلة بواسطة رنا (RNA interference)، كان هو موضوع جائزة نوبل للعام الحالي التي منحت للعالمين الأمريكيين أندرو فابر وكريغ ميللو. هذا النوع من التحكم يبعث الأمل في استخدام ذلك الجزيء في علاج الكثير من الأمراض من السرطان إلى الأمراض الوراثية والإيدز وغيرها. وقد بدأ استخدام هذا الجزيء يساهم بشكل ملحوظ في تطور فهم العلماء لعمل العديد من العوامل الوراثية. ما هو جزيء «الرنا» (ر.ن.ا RNA) ؟وما دوره في الخلية؟ وما هو الاكتشاف المفاجئ الذي جعل هذا الجزيء محور اهتمام العلماء مؤخراً والموضوع الذي خصصت له الجائزة
التحكم الحيوي بواسطة رنا المعترض وسيلة
جذابة لاستكشاف عمل الكثير من الجينات
طيلة عمر الخلية بل تنتقل دون تغير كبير من الخلية الأم إلى ابنتيها بعد تكوين نسختين متطابقتين من هذا الجزيء ترث كل بنت واحدة منها. ويشكل الدنا القالب الذي تصنع على أساسه نسخ الرنا التي يستهلك أغلبها ويتلاشى بعد عمر محدد يكون قد أكمل فيه عمله في إخراج المعلومة الوراثية ونقلها وتنفيذها.
في السابق، كان هناك ثلاثة أنواع معروفة من الرنا. النوع الأول الذي يقوم بنقل المعلومة من الدنا إلى الريبوسومات وهي مصانع البروتين ويشكل هذا النوع من الرنا الوصفة التي تحدد نوع وترتيب الأحماض الأمينية في البروتينات الناتجة، وقد أطلق على هذا النوع اسم رنا المرسال (messenger RNA). النوع الثاني يدخل في تركيب الريبوسومات نفسها، ويطلق عليه (رنا الرايبوسوم) (ribosomal RNA). أما الثالث فيستخدم لنقل الأحماض الأمينية المفردة إلى موقعها الصحيح ضمن سلسلة الأحماض الأمينية التي يتكون منها أي بروتين ويطلق عليه( رنا الناقل) (transfer RNA).
المفاجأة الجديدة تمثلت في اكتشاف نوع رابع من الرنا أطلق عليه رنا الصغير المعرقل أو المعترض أو المتدخّل أو المانع (small interfering RNA) لأنه يعترض تنفيذ المعلومة الوراثية بل يعرقله ويمنعه. هذا الاكتشاف أعطى جزيء الرنا وظيفة جديدة تختلف كثيرا بل تعاكس وظائف الأنواع الثلاثة من الرنا السابق ذكرها والتي تعتبر وظائف «خدمية» ضرورية لتنفيذ المعلومة الوراثية. وبما أن التدخل الذي يقوم به النوع الأخير من الرنا هو تدخل محدد يطال فقرة صغيرة من معلومة وراثية معينة (جين محدد) فإن الرنا الصغير المعترض يفتح بابا واسعا للتأثير على تنفيذ أي خاصية وراثية محددة في الخلية. وإذا حصل أن الجين المتحكم في هذه الخاصية يحتوي على عطب يجعله سببا في حدوث مرض معين فمن المأمول أن يؤدي تعطيل عمل الجين المعطوب إلى إصلاح العطب وشفاء المرض أو تعديل الخاصة الوراثية.
العالمان أندرو فاير وكريغ ميلو اكتشفا أن العرقلة بواسطة رنا تتطلب استعمال رنا مزدوج الفتلة وليس مفردها كما كان معتقدا فيما قبل. وقد قاما باختبار أثر الرنا المزدوج في دودة صغيرة تدعى (C. elegans) حيث تمكنا من تثبيط عمل جين معين يختص بصنع بروتين يدخل في بناء الألياف العضلية لهذه الدودة، ويؤدي غياب هذا البروتين إلى حدوث حركات ارتعاشية في الدودة تمكن العالمان من إحداثها بواسطة حقن الدودة بالرنا المعترض لهذا البروتين. وقد أثبتا أن المنع كان نتيجة تفتيت وغياب رنا المرسال الخاص بالبروتين المعني، مما يؤكد أن أثر رنا المعترض محدد بدقة. وقد لاحظ العالمان أن عددا بسيطا من جزيئات رنا المعترض تكفي لتحقيق النتيجة مما يدل علىأن هذا الرنا يعمل كمحفز (catalyst).
كيف يقوم رنا الصغير المعترض بدوره؟ إنه يقوم بذلك عبر نظام يشمل إنزيما يطلق عليه «الطاحن» (Dicer) يقوم بتقطيع جزيئات رنا المعترض إلى قطع صغيرة مع فصل فتلتيه عن بعضهما، ومجموعة أخرى من البروتينات يطلق عليها ريسك (RISC) تقوم بالتعرف على رنا المرسال ومزاوجته برنا المعترض ومن ثم القيام بتفتيته.
لقد تكشفت عدة مهام محتملة لرنا المعترض ذات فوائد كبيرة، منها تحطيم الفيروسات التي تهاجم الخلية في كثير من النباتات وبعض الحيوانات، ومنها إسكات العناصر المتنقلة التي تقفز من موقع إلى آخر بالمجين وقد تؤدى إلى إحداث أضرار به، ومنها التحكم في نسبة كبيرة، حوالي 30%، من الجينات، عن طريق أنواع كثيرة قصيرة جدا من رنا تسمى (micro RNA) تشارك في تنظيم عمليات النمو المختلفة في الحيوانات والنباتات، ومنها إبقاء أجزاء من المجين في الحالة المكثفة غير النشطة، وبالطبع فإن الاهتمام الأكبر للعلماء سوف ينصب على محاولة الاستفادة من العرقلة الحيوية بواسطة رنا المعترض في التحكم الحيوي في تفاعلات الخلية بهدف علاج عدد من الأمراضالمختلفة]

» العلاج بواسطة الجينات
» عبقرية الجينات ( شرح علم الجينات الحديث بأسلوب مبسط مدعم بالصور ) pdf
» صور كيفية انتزاع جزيء ماء من الكحول
» الأسس العلمية لخريطة الجينات
» ما رأيكم بالذهاب الى العمل بواسطة ... الدراجة؟؟؟