خصائص وسمات العمارة والعمران التراثي في اليمن

تميزت الأرض اليمنية بتاريخ قديم وقيام حضارات مختلفة على مر الأزمنة، ونظراً لهذا التاريخ، فالإنسان اليمني ينتمي منذ القدم لأرضه وبيئته، مما جعله يبحث دوماً عن العناصر والوسائل التي تساعده في التعبير عن وجوده من خلال العمارة والعمران، فبرع في استخدام وسائل عدة في بناء المساكن التقليدية وتنظيم عماراتها مستمدة من طبيعة الأرض التي يستوطنها على اختلاف بيئتها ومناخها، وأهم هذه الخصائص هي:
1 ـ توافق المدن التراثية مع المناخ والبيئة المحيطة:
يختلف المناخ العام للأراضي اليمنية ويتنوع باختلاف الأقاليم والتضاريس السائلة وتتوافق هذه المواقع مع التجمعات السكنية المقامة عليها، حيث تتم بطريقة يكون فيها الاستغلال المناسب لرقعة الأرض وإقامة التجمع العمراني، وتعدد المناخات والتضاريس ساعدت على قيام تنوع معماري ذي أساليب وأنماط بناء تقليدي متميز، حيث يلاحظ ذلك من خلال استخدامات المواد المحلية في المناطق اليمنية ذات المناخات المختلفة إلا أن هذا الاختلاف أوجد طابعاً معمارياً وعمرانياً يمنياً متميزاً في كل الأقاليم اليمنية ويظهر ذلك من خلال العناصر المستخدمة في صياغة التشكيل العام الجمالي والوظيفي والفراغي للأبنية، وتتنوع تجمعات المدن والقرى التراثية في اليمن في نمطين هما:
ـ التجمع العمراني المقام على منحدرات المواقع الجبلية.
ـ التجمع العمراني المقام على الأراضي المستوية في المرتفعات الجبلية.
التجمع العمراني المقام على السهول الصحراوية.
يتم تنظيم المباني في التجمعات المقامة على منحدرات الجبال بطريقة مميزة فتظهر متوازية ومصفوفة بجانب بعضها أو متلاصقة، مكونة صورة بصرية متوافقة مع بيئتها، من خلال اندماج مباني التجمعات مع البيئة الطبيعية المحيطة وطبوغرافية المكان في المناطق، أما التجمعات العمرانية التي تقام على الأراضي المستوية في المناطق الجبلية أو الصحراوية فهي لا تختلف عن مثيلاتها في المدن الإسلامية القديمة من حيث شكل النسيج أو النظام العمراني ما يظهر تماسك النسيج من خلال مكونات من المباني والأسواق والجوامع ومباني «السمسرة» والساحات الداخلية التي تخدم الأنشطة التجارية والاحتفالات.
2 ـ المقياس الإنساني في العمارة والعمران التراثي اليمني:
مازالت العمارة التراثية في اليمن محافظة على خصائصها وتقاوم كل التغييرات المعاصرة التي تجري على أرض الواقع، في المدن اليمنية التقليدية، ومن هذه الخصائص التراثية توافق المقياس الإنساني مع التكوين المعماري والنسيج العمراني للمدينة اليمنية، فظهرت ملامح التكوين من خلال تجاور المباني العامة والسكنية والباحات الضيقة والتي تنبض جميعها بالحركة فتجسد طبيعة الأحاسيس الحية وعلاقات الناس فتغدو واضحة بين مقياس الإنسان والفضاء العمراني، فظهر النسيج على مستويين، هما المستوى العام وعلى المستوى العام يحدد حجم المدينة وأبعادها بدرجة كبيرة من حيث حركة المشاة وكذا حجم المجاورة السكنية بما تسمح به من أواصر اجتماعية متداخلة وقوية، أما المستوي التفصيلي يظهر في أبعاد الفضاءات العامة وأبعاد الأزقة والشوارع وارتفاع المساكن والأبنية العامة المكونة للنسيج، فتظهر جميعها من خلال إحساس الإنسان بتجانسها مع البيئة، وكذا في تلبية القدرات الحركية للإنسان سيراً على الأقدام باعتبار أن وسائل النقل كانت الدابة أو العربة البدائية.
ثانياً:المقياس الإنساني في المعمارة التراثية:
أظهرت العمارة اليمنية بوضوح سيادة المقياس الإنساني على التشكيل البصري والوظيفي، فظهر ذلك من خلال تناسب مقاسات الإنسان مع جميع العناصر المعمارية من جدران وأبواب وشبابيك وسلالم... الخ، والمقياس الإنساني يعتبر تكوينها هاماً في تطور العمارة اليمنية ينم عن واقعية وعضوية وفاعلية من الناحيتين الاجتماعية والإنسانية، ويتجسد ذلك سواء في الأنسجة العمرانية ام في تكوينات المباني ومفرداتها.
3ـ العضوية في التشكيل المعماري:
خاصية العضوية في العمارة التراثية اليمنية هي نفس الخاصية التي صيغت على أساسها جميع المدن التراثية العربية والإسلامية، حيث نراها بوضوح في العمارة اليمنية من خلال المظاهر التشكيلية للواجهات المعمارية والعمرانية بحيث تبدو المدينة وكأنها كائن عضوي ينمو ويمتد في الاتجاهين الأفقي والرأسي، وهو مبدأ مستعار من الطبيعة والكائنات الحية، وينظم العلاقة بين الفراغ والكتلة، وتظهر العضوية في التشكيل المعماري من خلال عنصرين هما:
أ ـ مواد البناء:
نجد أن مادتي البناء التقليدية الرئيسية هي الطوب المحروق أو الطين المجفف والحجر الذي يستخدم عادة في الأدوار السفلي، أما الطوب المحروق فيستخدم في الأدوار العليا، وهذا الاستخدام يخفي وراءه فلسفة إنشائية اكتسب معلوماتها بالفطرة من قبل الإنسان اليمني وهي «أن البناية التي يقترب مركز ثقلها من الأرض، يظهر عليه الثبوت والأمان والدوام والسلطة والاحترام، وذلك يفسر الميل إلى جعل الطوابق السفلى ثقيلة، ومبنية من الحجر، علماً بأن الحجر يتوفر بكثرة في اليمن وتتعدد مصادره وأنواعه وألوانه بحسب المناطق التي يتوفر فيها، وتتميز هذه الأحجار بما يلي:
1ـ تتميز هذه الأحجار بألوان متعددة تصل إلى خمسة ألوان أو أكثر.
2ـ الاختبارات التي تمت على هذه الأحجار تشير إلى تمتعها بعدة صفات متفاوتة من ناحية المقاومة لقوة الضغط وكذا خاصية امتصاص الماء.
3ـ تقاوم الأحجار العوامل الجوية وتلائم الأجواء الحارة والباردة.
4ـ سهولة القص والتشكيل أثناء عملية البناء.
ب ـ الفتحات:
يوجد عادة نوعان من الفتحات في العمارة التراثية، إحداها علوية والأخرى سفلية واستخدام هاتين الفتحتين على النحو التالي: الفتحة السفلية تستخدم للإطلالة على الخارج وكذا التهوية أما العلوية وهي على شكل دائري فتستخدم للإضاءة والزينة، وتكثر فيها أعمال الزخرفة والنقوش والزجاح السائد فيها والاستخدامات.
ج ـ الزخارف الجصية:
تتكون مادة الجص من خلال حرق الحجر الجيري في محارق خاصة، وتنتج من حرق مادة ناعمة الملمس بيضاء، ولها استخدامات متنوعة مثل:
تلييس الجدران والأسقف والأرضيات الداخلية، وأية مادة من مواد البناء مثل:
00د في تلبيس الواجهات الخارجية بشكل ديكور، كما استخدم في عمل الأرفف والزخارف على جدران وأسقف الغرف، واستخدم أيضاً في القمريات وطعم الزجاج الملون وأنتج لنا تراثاً عظيماً في هذا الجانب، وهذه القمريات توجد في المباني القديمة علي شكل نصف دائري من قطعة واحدة من حجر الالباستر الشفاف الذي ينفذ منه الضوء ويتم قطع هذا النوع من الأحجار من محاجر خاصة بشكل رقائق رفيعة وبحسب الطلب.
5ـ التشكيل الحر للواجهات:
العمارة التراثية اليمنية لا تتقيد بقواعد أكاديمية في التشكيل ولا بنظريات الجمال الخاصة بالعمارة أو الفنون الجميلة وهذا ما أعطاها ميزتها وطابعها الأصيل، فجاءت المباني والتجمعات العمرانية بأعمال متميزة، عفوية وتلقائية من واقع الخبرة التراكمية عند الإنسان اليمني وفي تذوقه لفنونه المعمارية والشعبية وتتضح صياغة الشكل الجمالي للمباني التقليدية من خلال عدد من العناصر البسيطة كالتالي:
أولاً: كتلة المبنى: تتميز المباني اليمنية السكنية من حيث الحجم بتوازي السطوح للجدران الخارجية للمبنى، ولها وضعيتها من ناحية التلاصق مع المباني المجاورة، وينشأ هذا التلاصق في ثلاثة أوضاع هي:
1ـ الالتصاق في واجهة واحدة.
2ـ الالتصاق في واجهتين.
3ـ الالتصاق في ثلاث واجهات
ثانياً:الواجهات :
يتم التعبير عن الواجهات في العمارة اليمنية التقليدية من خلال مواد البناء والزخارف التي تنفذ على الواجهات كالتالي:
1ـ التشكيلات البارزة من مادة الطوب أو الحجر.
2ـ الخطوط الرابطة بين الفتحات، رأسياً أو أفقياً.. وتعتبر واجهات المباني هي المجال المستخدم في التعبير عن تشكيل العمارة اليمنية من خلال العناصر الجمالية والمستخدمة في الواجهات من خلال الاستخدام الرأسي والأفقي للخط، وبالتالي فإن هذا الاستخدام هو في الواقع للتشبيه ومطابقة الأشكال في الطبيعة. ويمكن إيجاز الغرض من استخدامات الخطوط التشكيلية كالتالي :
1ـ استخدام الخطوط المستقيمة في التشكيل المعماري.
2ـ استخدام الخطوط المنحنية متتبعا الغرض الجمالي والوظيفة.
ثالثاً: الانسجام في العمارة التراثية اليمنية
يتحقق ذلك من خلال التوافق العام بين واجهات المباني والمعالجات التشكيلية ووسائل الإظهار من مواد بناء وعناصر تشكيل وزخرفة مشتركة، فيتحقق عامل الانسجام والطابع المشترك للتجمعات العمرانية جميعها، حيث لافرق شاسع بين مباني الفئات الخاصة ومباني بقية فئات المجتمع.
رابعاً:التباين في العمارة التراثية اليمنية
يظهر التباين بوضوح من خلال وضع اللون الأبيض الذي يلف كإطار حول الفتحات والزخارف البارزة واللون الغامق للجدران الطينية أو الحجرية. وهذا التباين سطحي أما التباين من ناحية الحجم فإنه يتشكل من خلال الكتل البارزة ذات الاستخدام الوظيفي مثل المشربيات.
خامساً:التماثل في الواجهات المعمارية التقليدية
ان العمارة اليمنية التراثية لاتعرف التماثل، وذلك راجع إلى الطبيعة الحرة في التصميم والإنشاء، والتي لاتخضع لأي قواعد أكاديمية. لذلك تأتي الأعمال المعمارية للواجهات عفوية، تجسد المفاهيم الجمالية الموروثة بطابعها المعماري الخاص.
سادساً: خط السماء ونهايات الكتل
يظهر ذلك من خلال «المفرج» وهي غرفة صغيرة تبنى فوق سطوح المباني وتلعب دوراً هاماً في تشكيل نهايات المباني، حيث يظهر خط السماء لكتل المباني عن طريق الارتداد إلى الداخل أو بنفس الامتداد لكتلة المباني على السطوح. أما إذا كان المطلوب هو شكل علوي مكشوف للاستخدام كشرفة مثلاً. فإن محيطه يكون عبارة عن سلسلة من العقود البيضاء ذات المقياس المناسب، والتي تدل على وجود هذه الشرفة، وهو مايطلق عليه التجواب.
سابعاً:التدرج الهرمي في البناء والتشكيل المعماري التقليدي
خاصية التدرج الهرمي في العمارة التراثية هي خاصية اكتسبت مع مرور الزمن في البناء التقليدي التراثي، ويظهر في كل المناطق والأقاليم اليمنية.
ثامناً:الانطباعات البصرية للمباني التقليدية اليمنية
إن إدراك التكوين المعماري لواجهات المساكن التقليدية اليمنية، يعكس مؤثرات بصرية وانطباعات تشكيلية ونتلمسها من خلال:
أ ـ الانطباعات البصرية للواجهات: وهي عملية إدراك التكوين المعماري لسطوح المباني يتم من خلال الرؤية الديناميكية في الاتجاه الرأسي أو الأفقي للواجهات عبر أربعة انطباعات تكتمل إحداها للحصول على صورة شاملة للمباني، وعملية إدراك ديناميكية الفراغ من خلال استيعاب التكوين من خلال الكتلة عن طريق الإحساس بديناميكية الفراغ بصورة تجزيئية أو شاملة قيمته الجمالية في الزخارف وفتحات الشبابيك واستخدام القمريات اليمنية وتشكل ظاهرة التدرج الهرمي في التشكيل التقليدي لواجهات المباني اليمنية خاصية تتفرد بها العمارة اليمنية التقليدية في إظهار هذه الميزة والتي جاء استخدامها عفوياً من قبل اليمنيين، وتظهر لنا هذه الخاصية من خلال عنصرين هما:
1ـ مواد البناء:
والاستخدام الهرمي لمواد البناء يظهر بوضوح في الشكل الرأسي حيث تستعمل مادة الحجر بكثافة، بحسب توزيع الأنماط المعمارية في الأقاليم اليمنية وبالذات أقليم المرتفعات الجبلية، وإتباع قاعدة استخدام الحجر في الأدوار السفلى من المبني، والياجور في الأدوار العليا.
2ـ التشكيل الزخرفي:
يظهر التشكيل المعماري في المباني التراثية في نوعين هما: الإفريز والشبابيك.
زخرفة الإفريز:
تتدرج الهرمية في الزخرفة من أسفل وتتزايد إلى أعلى حتى تصل كثافتها في الأدوار العليا من المبني.
زخارف الشبابيك:
تظهر هذه الهرمية من خلال تدرج الفتحات، مبتدئة من الأصغر في الأدوار السفلى ثم تتسع تدريجياً في الاتجاه الأعلى من المبنى.

لقراءة الموضوع من الصحيفة
رابط التحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

منقـــــــــــــــــــــــــــــــــول

موضوع رائع ومهم ان اليمنيين كلهم يعرفون هذه المعلومات الهامه عن جزء من تأريخنا

سلمتي

مشكووووووووووره

» أثر فن العمارة الإسلامية على فنون العمارة الغربية
» خصائص فان جوخ
» خصائص عشر الأواخر من رمضان
» خصائص الشعر الغنائي
» خصائص تعديل السياسة في الصين