في زماني

أدركت زمانا عايشت فيه أناس يتحدثون باللامعقول ، ويكتبون باللامفهوم ، همتهم دنيئة .
طبيعتهم لا تكاد تفهم ، لا يدركون مواطن الخير من الشر .
يبحثون عن التميز في الظلام ، وعن الرفعة في الدنائة ، وعلى الشهرة على حساب حقوق غيرهم .
يبيعون القريب والبعيد بالرخيص ، إن كان لهم مصلحة يجنونها من وراء ذلك ، يرتكبون الصغيرة والكبيرة إن علموا أن ذلك سيجلب لهم منفه.
يدمرون سمعتهم بأيديهم ، جل حديثهم في غيرهم ، الناس في ميزانهم أقل من شأنا منم .
إذا طلبوا المرح تجدهم في أعراض الناس ينهشون ، وفي الحديث عن عيوبهم يتلذذون ، يعرفون من الحلال الكثير ، ولكنهم في الحرام غارقون ، لا يسعون لطلب معرفة تفيدهم ، ولا يطلبون عملا طالما فيه مشقة عليهم .
تعودوا على الكسل فصار شعارهم ، وعلى التواكل فصار منهجهم .
ينتظرون من يملئ جيوبهم لينفقوا ما فيها في سبيل شهواتهم .
تركوا مقومات الصحبة ونادوا بالمصلحة.
عندهم من الجفاء ما يدمر أمه ، ومن الخيانة ما يباع به الدين ، ومن الدنائة ما يصفون بسببه بالسفهاء.
سائرون وراء كل داعي ، من أرادهم وجدهم في مستنقعات المفرغة واللعب .
لا يدخلون المساجد إلا في الجمعة ، وربما وصلوا والإمام قد أتم الصلاة فصلوا الظهر ركعتين فما ربحوا شيئا .
العبادة عندهم عادة.
لا يعدون ذنوبهم تجاه غيرهم ، يقتنصون عيوب غيرهم ليعيروهم بها ، ناسين عيوبهم
أخطائهم كثيرة وكبيرة ، عقولهم مقفلة ،وأجسامهم هزيلة ، وحركاتهم مشحونة بالأنثوية.
لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا ، ولا ينتصرون لحرمة ، ولا يتقربون بحسنة.
يتملقون ويتذللون لمن رأوا فيه مصلحة.
يبيعون لأجل الدرهم والدينار نفوسهم ، لا يطلبهم إلا من هو على شاكلتهم.
إن نصحوا قالوا ننتقص من قدرهم ، وما علموا أنه لا قدر لهم ولا مكانة.
وإن تركوا سعوا في الأرض فسادا .
لا يؤمل منهم خير ، ولا يرجى منهم دفع شر .
ذهبت الغيرة من قلوبهم ، فلا يغارون على حرمة انتهكت . ولا على شعيرة بدلت . ولا على بدعة أحدثت . ولا على شريعة تركت .
خيرهم للناس معدوم ، وشرهم إليهم موصول.
الدنيا همهم ، ومبلغ غايتهم ، ومنتهى إرادتهم.
تراهم مع اليهود كأنهم منهم ، ومع النصارى كأنهم من صلبهم.
فهم سبب في ضعف الأمة ، وذهاب هيبتها من نفوس أعدائها.
فلا بارك الله فيهم ، ولا في أمثالهم ، وكفا الله الأمة شرهم ، وأبدلها بخير منهم والله المستعان