من بلاغة القرآن

قال تعالى:{فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين} .

شبه التبليغ بالصدع بجامع المشقة في الكل ، وحذف المشبه على سبيل الاستعارة التصريحية .
فاستعير الصدع ، وهو كسر الزجاجة ، وهو محسوس ، للتبليغ وهو معقول ،
والجامع التأثير ، وهو أبلغ من بلّغ ، وإن كان بمعناه ؛ لأن تأثير الصدع
أبلغ من تأثير التبليغ ، فقد لا يؤثر التبليغ ، والصدع يؤثر جزما .
فكلمة الصدع بمعنى الجهر توحي بما سيكون من أثر هذه الدعوة الجديدة من أنها ستشق طريقها إلى القلوب وتحدث في النفوس أثرا قويا .
فالصدع مستعار للجهر و الإبانة ، والعلاقة هي أن الصدع تنفصل به الأشياء
وتبين مقاطعها ، وكذلك الجهر والإبانة تتحدد بهما الحقائق وتنكشف الأغراض ،
ثم إنك ترى التمييز والتحديد في الصدع بعينك ، وفي هذه الاستعارة معنى فوق
ما تراه من تجسيد الحقيقة الروحية ، وهو الكشف المبين عن ما جاء به علية
الصلاة والسلام وصيرورته بهذه الصورة المحسوسة ، وهو الصدع ،والشق الماثل
في الأجسام ، هذه الاستعارة فيها فوق ذلك الإشارة إلى وجوب الإعلان الواضح
بكلمة الله في كل أمر من الأمور ، وإن كان في هذا مصادمة لما تعارف عليه
الناس ،ولما ألفوه في حياتهم وسلوكهم وعاداتهم ،الأمر بالصدع هنا يعني
زلزلة المألوف ، وشقه ، و مصادمته مصادمة تصدعه وتهدمه ، ما دام قائما على
غير منهج الله ، وهكذا فعل الرسول الكريم فقد هدم ما ترسخ من عقائدهم
وأعرافهم ، وما ترسخ في قلوبهم وضمائرهم . وانظر إلى قوله : " بما تؤمر "
وكيف عبر عن الدين وأمر الله بهذه الصيغة التي تبعد عن هذا الأمر عنصر
البشرية ، وذاتية محمد عليه الصلاة والسلام ، فالذي ينادي به ، ويجهر
بالدعوة إليه ، أمر تلقاه ، وليس غير ذلك .

» صور من جمال بلاغة القرآن
» معجزة من معجزات القرآن الكريم /// ادخل وشوف القرآن و معجزاته
» بلاغة التوقعات
» بلاغة الصور البيانية
» بلاغة الإتيان بلفظ الجمع وإرادة الواحد