أنه واحد من أكثر المباني في العالم والتى تتعرف عليها
بسهولة، تاج محل ... تكامله وتناغمه مع بيئته جعله مقصدا رئيسيا بالنسبة
للكثيرين. تم بناءه في عام 1648 بوصفه ضريح لزوجة "شاه جيهان" الراحلة
"ممتاز محل" ، فهو يقف كرمزا للحب الأبدي, فتاريخه وجماله لا يفشل أبداً فى
أسر القلوب.
لقد إستدعى معمارييون وبناءون وحرفيون من شتى بقاع
الأرض ... من تركيا ومصر والشام وفارس , الرخام جيئ به من الخليج ومصر ...
أعوام وراء أعوام وشاه جاهان على نفس الدرجة من العاطفة الجياشة التى تدفعه
ليعلو ويعلو ويجود فى البناء .. مصاريف طائلة لا حصر لها , حتى أتهمه
أولاده بالجنون - بالطبع عندهم حق - ودخلوا فى صراعات فيما بينهم يتنازعون
على الحكم.
أكثر
من عشرين ألف عامل تم توظيفهم لإكمال هذه التحفة الفريدة "تاج محل"، بدأ
من أسطحه الخارجية العملاقة وصولاً لأدق التفاصيل المعقدة بالفضاءات
الداخلية. بدأ بناؤه فى العام 1632 واستمر البناء بإصرار حتى 1648 عندما تم
الانتهاء من الضريح الرئيسي ووبعدها بدأ بناء غيره من المباني المحيطة.
وفلم يكتملوا إلا بعد خمس سنوات عندما تم الانتهاء منها هى والحدائق
المحيطة.
وتاج
محل هو مثال نموذجى من نمط العمارة المغولية ، والتي تكونت من مزيج من
التقنيات المعمارية الفارسية والإسلامية والأنماط الهندية. ويمكن الشعور
بهذه الروابط بسهولة ، فالحجر الرملي الأحمر والرخام الأبيض تعتبر مواد
كلاسيكية فى النمط المغولى. والجزء الأكثر تميزا في هذا المجمع هو المقبرة؛
فهى تقف على قاعدة مربعة ، وهيكل إنشائى يتكون من بناء متماثل مع مدخل
مقوس الشكل ، أو الإيوان ، يعلوها قبة كبيرة ومدببة. وهذه العناصر أساسية
فارسية الأصل.
والمكعب
الذى يتكون منه مقطوع الحواف فى كل الزوايا ، مما ينتج مثمن غير متساوى
الأضلاع والذى يبلغ طوله حوالي 55 مترا لكل جانب. جميع الجدران الأربعة
يعلوها إيوان مغطى بالقباب و البييشتاك. وتم وضع أطار على حدود قبر من
الرخام الأبيض مع أربع مآذن ، واحدة في كل زاوية. وهى مصممة لتكون وظيفية ،
فهي من العناصر التقليدية فى المساجد الإسلامية التي تدعو المؤمنين إلى
الصلاة لأنها ترتفع أكثر من 40 مترا. وفي حال انهارت المآذن ، أنها صممت
وبنيت لتراعى السقوط بعيدا عن القبر. في القاعة الرئيسية ، الأضرحة عبارة
عن توابيت "كاذبة" لكل من ممتاز محل و شاه جهان ليتمكن للناس الاطلاع
عليها، أما قبورهم الفعلية فهى باقية في باطن الأرض.
أما
ام عنصر مميز للهيكل هو القبة الرخام ، التى ترتفع حوالي 35 مترا ، والتي
تجلس على قاعدة أسطوانية بأرتفاع 7 امتار تقريبا. وهى مزينة بنقوش من أزهار
اللوتس ، وتبرز في أعلى القبة مما يجعلها أبعد من أن تظهر لعين الزائرين.
ويتكرر هذا الشكل في أربع أكشاك صغيرة بقباب أصغر في الزوايا ، مع قواعد
تفتح لتوفير الضوء بداخل الضريح. ونجد أيضاً الأبراج والتي هى طويل القامة
ومزخرفة بإمتداد حواف الجدران من القاعدة ، التي تؤكد أيضا على الهيبة
والارتفاع ويتكرر عليها نقوش اللوتس.
ووجد
أدلة على الآلاف من الحرفيين والعمال الذين تم إستخدامهم فى بناء تاج محل
وجدت في تفاصيل كامل مساحة المسطح ، وهى أعداد تتناسب مع نطاق الشغل. فمع
كل هذه العناصر المختلفة من الجص ، والطلاء ، تطعيم الحجر والمنحوتات ،
والتى تستخدم لتمثيل الخط العربى وأشكال تجريدية والزخارف النباتية. وتم
استخدام آيات من القرآن الكريم أيضا ، وتحديدا تلك التي تشير إلى يوم
الحساب.
من
الصعب أن يعتقد الإنسان بأن الفضاءات الداخلية يمكن أن تكون آسرى كما هو
الخارج ، ولكن التطعيم بالأحجار الكريمة وشبه الكريمة والمنحوتات المفصلة
خصيصاً تعادل التجارب مذهلة للخارج والداخل معا ، وتخلق متناغم وتوحى بأنه
مكان ديني إلى حد ما. يتم تحديد الفراغ بثمانية أقواس، والتي تشكل معاً
أربعة أقواس عليا بالوسط. فتتشكل منها شرفات وتصبح مناطق للمشاهدة ، مع
نافذة خارجية تحتوى على مناظر رائعة وشاشات معقدة مكونة من قطع من الرخام.
فيدخل الضوء من خلال هذه النوافذ وكذلك من خلال الفتحات الموجودة في زوايا
السقف.
والحديقة
مقسمة إلى 16 حوض للزهور، تحيط ب حوض عاكس مائى على المحور الشمالى
والجنوبى. ونفس تصميم الحدائق كان مطابق مع الضريح في المركز ، بحيث نجد
تاج محل على غير المعتاد كعنصر رئيسي يقع هو في نهاية الحديقة. وفي النهاية
الأخرى من الحديقة هي نجد الأضرحة قد بنيت لزوجات شاه جيهانالأخريات ،
فضلا عن الخادمة المفضل للممتاز محل. و قد تم بناءها من الحجر الرملي
الأحمر, فكانت كمعظم الأضرحة الماغولية الأخرى بهذا العصر. وهذين المبنيين
الكبيرين مفتوحان على جانبي القبر ، وهم مرآة من صورة بعضهما البعض. أحدهما
هو المسجد ، ويتم استخدام الأخر لتحقيق توازن معماري ، وربما كبيت ضيافة.
شاه جاهان وصف تاج محل في هذه الكلمات :"كل
مذنب عليه اللجوء إلى هنا، فسيتطهر من ذنوبه، كالمغفورة له خطاياه. على
الخاطىء أن يشق طريقه إلى هذا القصر، فستنمحي جميع خطاياه السابقة. إن
النظر إلى هذا القصر يترك بين حنايا القلب شعورًا بالحزن. والشمس والقمر
تذرف الدموع من أعينهما عند النظر إليه. فلقد أنشئ هذا الصرح فى هذا العالم
ليظهر جلال الخالق وقدرته".