استعارات أبى تمام

يعد أبوتمام علامة فارقة فى تطور أساليب الشعر العربى
فهو رأس مدرسة وطريقة ويعتبرخيرمثال لواقع الحياة الثقافية
والفنية فى عصره وقدأثار أهم حركة نقدية حول شعره
والموازنة بينه وبين الشعراء السابقين وبخاصة معاصرة البحترى حتى ظهر المتنبى
فى القرن الرابع الهجرى " فملأالدنيا وشغل الناس:"ومع هذا ظل أبوتمام إلى اليوم
مثيرالاهتمام الناس والنقاد والدارسين ومن أهم جوانب فنه التى اجتذبت أفكار الباحثين
وتحليلاتهم استغاراته وماتتميز به من غموض ودقة وفلسفة حينا وتعسف واضطراب
ومجافاة للذوق حينا اخروقدكان أهل زمانه يعترضون عليه ويتعقبونه وهناك
العبارة المتداولة حين سمعه بعضهم ينشدشعره فقال له لم لاتقول مايفهم ؟
فردعليه قائلا ولم لاتفهم مايقال .؟آ
فكأنماكان مفهوم الشعر عندأبى تمام يختلف عن مفهوم يشيع بين الناس
وفى هذا المقام تذكر النادرة التى تقول أن أباتمام حين قال
لاتسقنى ماءالملام فإننى صب قداستعذبت ماءبكائى
جاءه من يحمل إليه قارورة ويطلب منه على سبيل التهكم والتندر لغرابة الاستعارة فى {ماءالملام }
أن يضع له فيها شيئامن ماء الملام فكان جواب أبى تمام أن قال ابعث لى ريشة من جناح الذل
أبعث إليك من ماء الملام
وقددافع الامدى عن {ماءالملام}رغم استنكاره للكثيرمن استعارات أبى تمام فأوردالبيت ثم قال
"فقدعيب وليس بعيب عندى لأنه لماأرادأن يقول "قداستعذبت ماءبكائى "جعل للملام ماء ليقابل ماء بماء وإن لم يكن للملام ماءعلى الحقيقة

استعارات أبى تمام
.....كما قال الله عز وجل {وجزاء سيئة سيئةٌ مثلها}ومعلوم أن الثانية ليست بسيئة وإنماهى جزاءعن السيئة
ومثل هذافى الشعروالكلام كثيرمستعمل فلماكان فى مجرى العادة أن يقول قائل
أغلظت لفلان القول وجرعته منه كأسا مرة أوسقيته منه أمر من العلقم وكان
الملام ممايستعمل فيه التجرع على الاستعارة جعل له ماء على الاستعارة ومثل هذاكثيرموجود
وقداحتج محتج لأبى تمام فى هذابقول ذى الرمة
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة فماءالهوى يرفض أويترقرق
وهذالايشبه ماءالملام لأن ماءالملام استعارة وماءالهوى ليس باستعارة لأن الهوى يُبكى فتلك الدموع هى ماءالهوى على الحقيقة
قيل ..لوأرادأبوتمام ذلك لماقال "قداستعذبت ماءبكائى "لأنه لو بكى من الملام لكان ماءالملام هوماء بكائه أيضا ولم يكن يستعفى منه

هذه
مناقشة تفصيلية طريفة لاستعارة واحدة من استعارات أيى تمام المشكلة وهى
تكشف عن دقة التحليل وتفحص كل كلمة من كلمات البيت وقياس الدلالة على الشعر
المأثور القريب فى معناه لبيت أبى تمام والكشف عن الفروق
هكذاشغلا استعارات أبى تمام اهتمام البلاغيين والنقاد قديما وحديثا وكان
الاهتمام بالاستعارات المعيبة صارفا عن اكتشاف العمق الفنى والفلسفى فى
استعاراته المتميزة وهى كثيرة ومع هذا فإن هذا الاهتمام بالاستعارات
المعيبة أدى إلى الوضوح النظرى الكاشف لمايقبله الذوق العربى من الاستعارة
ومايرفضه
من مرذول ألفاظه وقبيح استعاراته قوله
يادهرقوم من أخدعيك فقد ..................أضججت هذاالانام من خُرُقك
وقوله
فضربُت الشتاء فى أخدعيْه .................ضربة غادرْته عودا ركوبا
فأماقوله "فضربت الشتاء فى أخدعيه " فإن ذكر الأخدعين ههنا على قيحها أسوغ
لأنه قال " ضربة غادرته عودا ركوبا "وذلك أن العود المسن من الإبل والبعير
أبدا يضرب على صفحتى عنقه فقربت الاستعارة ههنا من الصواب قليلا
ومن القبيح فى هذا قوله
يادهرقوم من أخدعيك فقد ................أضججت هذا الأنام من خرقك
فأى ضرورة دعته إلى الأخدعين ؟ وقدكان يمكنه أن يقول "قوم من اعوجاجك "أو
قوم معوج صنعك " أو يادهرأحصن بنا الصنيع لأن الأخرق هو الذى لايحسن العمل
وضده الصنع

من كتاب المجاز وفنون الاستعارة
للدكتور محمدحسن عبدالله