لا تدعوا نقاط قوتكم تتحوّل إلى نقاط ضعف

لا تدعوا نقاط قوتكم تتحوّل إلى نقاط ضعف

جيل كوركنديل
من أولى الخطوات التي أفتتح بها جلسات التدريب مع عملائي أنني أطلب منهم كتابة قائمة بثلاث من نواحي القوة التي يرونها في أنفسهم وثلاث من نواحي الضعف.
في العادة تكون نقاط القوة أشياء مثل العناية بالتفاصيل والتركيز والاندفاع المتواصل، وتلاحظ ثغرات الضعف في جوانب مثل التفويض، وخمول الإبداع، ومهارات إدارة الناس.

وبعدئذٍ أطلب منهم التأمّل ملياً فيما كتبوا. في كثير من الأحيان تجدهم يحملقون في الأوراق ثم يأخذون في ترديد نظرات الاستغراب بيني وبين أوراقهم.
وسرعان ما يعلنون عجزهم عن اكتشاف شيء ويطالبونني بالتفسير! ونادراً ما يرون الصلة بين القائمتين بأنفسهم.

الحقيقة يا سادة هي أنّ ثغرات ضعفنا لا تكون في كثير من الأحيان سوى انعكاسات مرآةٍ لنقاط قوّتنا. ومن المهم جداً أن ندرك ضرورة عدم إسرافنا في تطوير قوانا والتسبب في تحويلها إلى نقاط ضعف.
هناك حد أمثل ينبغي أن لا يتجاوز حتى لا تنقلب الأمور: فلا تستحيل الثقة إلى عجرفة وغرور، ولا تنقلب حدة الخاطر والذكاء إلى استخفاف واستهزاء، ولا يصبح الاجتهاد وطلب الإتقان غرقاً غير عمليّ في تطلّب الكمال يشلّ مقدرة الإنجاز.

لقد لاحظت كثيراً من القادة يقعون في مصيدة تحوّل نقاط القوة إلى نقاط ضعف.
فبعد تلقّيهم االثناءات والمكافآت نتيجة إبرازهم نقاط قوة أو نواحي تميز خلال مسيرة عملهم، نرى أبصارهم تضلّ وتعجز عن ملاحظة المضاعفات الجانبية لتضخّم نقاط القوة، وهي مضاعفات فادحة كفيلة في النهاية بتخريب مسيرة عملٍ ظافرة.

ولذلك وجدت نفسي شديدة الاهتمام بمتابعة بحثٍ حديث حاول استكشاف "الجوانب المظلمة" في خصائص القادة. أجرى الباحثون مقابلاتٍ مع 18000 قائد في بريطانيا على مدى أكثر من عشرة أعوام (بين 1999 و2009) ساعين لاكتشاف ما الذي يحرف هؤلاء القادة ويخرّب مسيرتهم عندما يتعرّضون للضغوط.
حدّد الباحثون أحد عشر عامل خسارة وانحراف –نقاط قوة تتحوّل إلى نقاط ضعف تحت الضغط- ومنها: اليقظة والحرص متحولةً إلى إساءة ظن. القبول وأسر القلوب متحولةً إلى تلاعب بالناس. الحيوية والانطلاق في التعبير متحولةً إلى مبالغة في الانفعال وإغراقٍ في التصّورات.
والجد والحرص على الإتقان متحولةً إلى إغراقٍ غير عملي في تطلّب الكمال. كان واحدٌ من هذه "الجوانب المظلمة" حاضراً في 85% من القادة الذين شملهم الاستطلاع. وكان 16% من القادة يعانون ثلاثةً من هذه الجوانب.
والطريف هو أنّ خاصية الجانب المظلم الأكثر شيوعاً في المملكة المتحدة كانت التفاني في القيام بالواجب متحولاً تحت الضغط إلى إفراط في التلبية والاسترضاء والامتصاص والتعلّق بآراء الآخرين والعمل معهم.
بالإضافة إلى ذلك ظهر أنّ ربع القادة في المملكة المتحدة يميلون إلى الانسحاب من المواقف الصعبة ويصبحون انعزاليين.
بالشدائد تمتحن معادن البشر.. وبها قد تتلف أيضاً
تعرّفوا على عيوب معادنكم باكراً!
إن الاستدلالات المشتقة من هذه النتائج مهمة جداً للشركات التي تصارع في خضمّ ظروف غامضة أو تقبل على مرحلةٍ اقتصادية جديدة. تصوّر، مثلاً، شركةً يتميّز فريق إدارتها العليا بالتفاني في القيام بالواجب تميزاً متجانساً.
ماذا سيحدث عندما تواجه هذه الشركة أزمةً أو عندما يجرّ رئيس الشركة ذو القبضة الحديدية إستراتيجية الشركة في اتجاه خاطئ؟

بسرعة يقول الجواب البدهي إنّ فريق الإدارة هذا سوف يجابه الأزمة وجهاً لوجه أو يتحدّى الرئيس التنفيذي.
ولكن لا!، إذ تشير الدراسة إلى أنّ الاحتمال الأكبر هو أنّ أعضاء الفريق سيحنون رؤوسهم معاً ويغمضون أعينهم. ولقد تجسّد هذا السلوك فعلاً في كارثة البنك الاسكتلندي Royal Bank of Scotland الذي وقع تحت ضغوطٍ شديدة عام 2008.
لقد فشل فريق الإدارة العليا في تحدّي وتفنيد الإستراتيجية الخاطئة وتقييمها كما ينبغي كما فشل في إلزام الرئيس التنفيذي في تبرير قراراته وتحمّل مسؤولياته.

إنني متيقنة من أنّ لدى كثيرين منكم قرّائي الأعزاء أمثلةً على مديرين وقادة غير واعين للجوانب المظلمة الخفية من خصالهم الإيجابية ونواحي قوّتهم (مثل النزق والتسرّع والتقلّب المرتبطة بالحماسة والاندفاع، والتلاعب وتسخير الناس المرتبط بالكاريزما والمهارات الاجتماعية المتطوّرة، أو "التعدّي والإساءة السلبية- أو الخفيّة- passive aggression" المرتبطة بشدّة التركيز)

في معظم الأحيان لا ينتبه هؤلاء إلاّ للآثار الإيجابية لشخصياتهم، ويفلترون الآثار السلبية التي تجلبها على من حولهم.
وإن بقيت آذان وأدمغة هؤلاء القادة كتيمةً لا تتسرّب فيها التغذية الراجعة أو كانت الثقافة التنظيمية لا تفسح بالأصل مجالاً كافياً لتقديم التغذية الراجعة الشخصية فإنّ هؤلاء القادة الرفيعين سيغدون عرضةً لتدمير مسيرتهم المهنية وكذلك تدمير شركاتهم. إنّ القائد الذي يقف على أعتاب مركزٍ رفيع يجب عليه أن يتذكر أنّ هناك أشياء كثيرة خارجة عن علمه وعن سيطرته يمكنها أن تدهوره وتخرّب مسيرة تقدّمه ونجاحه، ويجب أن لا يضيف إلى قائمة هذه الأشياء عماه أو غفلته عن وجود هذه القائمة!

وماذا يمكن أن نفعل أفراداً ومنظّمات؟

1- فتّش عن عوامل الانحراف باكراً منذ مرحلة الاستقطاب.
لا يبهرنّ بصرك بريق الأداء الممتاز في ناحية فتغفل عن نقص المقدرات الأساسية في جوانب أخرى. إنّ التنفيذيين الأقوياء المركّزين على تحقيق النتائج قد يكونون مرغوبين لديكم ولدى كل الشركات ولكنّ هذه الخصال يجب أن توازن بقدرٍ معين من تفهّم كيفية إدارة البشر. وعلى المنوال ذاته ينبغي التنبّه على الدوام إلى أنّ النجاح في شركةٍ معينة لا يعني ضمانةً للنجاح في شركةٍ وثقافة تنظيمية أخرى.

2- احرصوا على إدارة المسارات المهنية إدارة مستدامة
يقوم كثيرٌ من المنظّمات بتسريع مسار التقدّم تسريعاً هائلاً أمام المنجزين المتفوّقين بما يتخطّى مقدراتهم الحقيقة، وتبقى غافلةً عن نواحي القصور والضعف لديهم إلى أن يظهرها التعرّض للضغوط والشدائد. إنّ هذا الوضع يمكن أن يسدّد ضربةً مؤذيةً أو مدمّرةً ليس للفرد وحسب بل ولفريق العمل وللمنظمة كلّها.

3- استخدم التغذية الراجعة واختبارات تحليل الشخصية لترقية الوعي الذاتي
إن استطلاعات التغذية الراجعة الشمولية يمكن أن تفيد القادة التنفيذيين وفرق الإدارة العليا في التعرّف على مكامن قصورهم وتفهّمها وتحليل آثارها الحقيقة على من حولهم. كما إنّ هناك تحاليل نفسية معينةً تساعد التنفيذيين في اكتشاف خطوط الضعف والتصدّع في شخصياتهم. باستخدام هذه المعلومات ينبغي عليهم العمل على وضع وتنفيذ إستراتيجية شخصية للتعامل مع تلك النواقص ومكامن الخطر إمّا من خلال برامج الإرشاد والنصح أو برامج التدريب.


4- تفهّم كيف تتفاوت السمات والاستعدادات عبر الأجيال
على سبيل المثال، وجدت الدراسة المذكورة آنفاً أن أبناء "الجيل Y"* في أمكنة العمل أكثر طواعيةً وقياماً بالواجب من الأجيال الأخرى. وهو ما قد يجعلهم متجنّبين لاتخاذ القرارات أو تحدّي الأوضاع الراهنة. بينما يلاحظ أنّ أبناء "الجيل X"* يتمتعون بقدر أكبر من المهارات الاجتماعية، ولكنّهم يتعرّضون مقابل ذلك للظهور بمظهر السطحيين الشكليين أو بمظهر المتلاعبين عندما يسرفون في استخدام مهاراتهم لتعظيم مكاسبهم.

*(الجيل Y: في الغرب، مواليد الفترة بين منتصف السبعينات وبداية القرن الحادي والعشرين.
الجيل X: الجيل السابق له المولودون في فترة الستينات والسبعينات)

وأنت عزيزي القارئ، ماذا ترى في موضوع الجوانب المظلمة الخفية لدى القادة؟ هل لديك تجارب خاصة أو اطلاعات على نقاط القوة وتحوّلها إلى نقاط ضعف؟ وهل تعرف طرقاً فعّالةً في ضمان عدم استخدام وتعظيم ورؤية المزايا بما يقلبها إلى رزايا؟