أول تجربة لمعماري تركي تؤكد أن الصعب ممكن
شقة مظلمة وصغيرة تتحول إلى مساحة مفتوحة يخترقها الضوء من كل الجوانب
نيويورك: لويس ليفاثيس *
قبل عامين، بدأ كوراي دومان، وهو معماري تركي كان يبلغ آنذاك 29 عاما، يبحث
عن شقة يشتريها في جنوب مانهاتن، وعلى الرغم من الأسعار المرتفعة ودخله
المتواضع، فإنه كان متحمسا لأنه كان قد بدأ للتو عمله في نيويورك. يقول
دومان: «كان مقررا أن أشتري بيتا قبل أن أبلغ الثلاثين، هذا ما كنت أقوله
لنفسي دائما».
وكان دومان متحمسا أكثر لـ«مكان يكون في
حالة سيئة، ولم يلمسه أحد منذ أعوام» حتى يتمكن من وضع لمساته الخاصة عليه،
حيث يقول: «بالنسبة لي كان أهم شيء هو الحصول على حيّز وإنارة».
وبعد بحث طويل في المواقع المتخصصة ببيع
البيوت، رأى أنه قد يصل إلى صفقة أفضل إذا بحث عن بغيته بنفسه بدلا من
الاعتماد على سمسار. وفي النهاية وجد بالصدفة شقة مظلمة جدا ومزدحمة جدا.
تقع الشقة في الطابق الثالث وكانت تتكون من غرفتي نوم على مساحة 600 قدم
مربع، في مبنى من الطوب الأحمر يعود إلى العشرينات من القرن الماضي في شارع
إيست ثيرد، الواقع بين شارع سي وشارع دي. كانت الشقة تحتوي على عدد من
الغرف الصغيرة مصممة على شكل حرف Z بالإنجليزية، ولكن مع ذلك لم يتراجع عن
قراره بشرائه. يقول المعماري التركي، إن تصميم الشقة غير العادي ساعد على
أن يكون فيها ست نوافذ وثلاثة أماكن للتهوية ولدخول ضوء الشمس، بينما «معظم
الشقق الصغيرة في نيويورك عبارة عن صندوق نوافذه على جانب واحد، وربما
تكون هناك فتحة ثانوية للتهوية». ويضيف أنه مع أماكن التهوية الإضافية
الموجودة في الشقة، «أحسست أنه يمكنني ابتكار تصميم جيد تستغل فيه المساحات
بصورة جيدة».
وكانت رسوم الصيانة القليلة للشقة والتي
كانت تبلغ 370 دولارا عنصرا جاذبا، حيث قام دومان بشرائها مقابل 400.000
دولار. كادت أن تضيع منه، فعلى الرغم من أن الجمعية التعاونية تطلب 10 في
المائة فقط مقدما، أصر مقرض الرهن العقاري على 20 في المائة بسبب مدخرات
دومان القليلة. لم يكن معه المال اللازم، مما اضطره الاستعانة بأمه التي
تعيش في أنقرة وكانت قد حصلت للتو على ميراث، وبالفعل أعطته ما يريد.
وبمجرد أن تملك دومان الشقة، قام مع مجموعة من أصدقائه بهدم الحيطان التي
تفصل بين غرف النوم وغرفة المعيشة ليحصل على مساحة أكبر. ويعلق: «بعد فترة
قصيرة، كنت أعيش وسط كوم كبير من القمامة، حيث كانت المواد البلاستيكية
تغطي سريري وملابسي. ولكن كانت المساحة الفارغة شيئا جميلا للغاية، ووراء
الجدران اكتشفت أن هناك ثلاث طبقات من الطوب». وبعد العمل لفترات متقطعة
على مدى عشرة أشهر، أعاد دومان، الذي تخرج في جامعة الشرق الأوسط التقنية
في أنقرة ودرس الماجستير في كلية العمارة بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس،
بطريقة يعتقد أنها تجعل الشقة في أجمل صورها، وبفضل الخصومات، تمكن من
الحصول على حرفي تصميم. ولكن لرغبته في تنفيذ كل شيء بنفسه واقتصاده في
النفقات، أنفق 25.000 دولار فقط. وأصبحت غرفة المعيشة ومكان تناول الطعام
وغرفة النوم، حيث تخلص من غرفة النوم الثانية، مكانا واحدا. وبالنسبة للضوء
والهواء فقد أصبحا يدخلان من نوافذ ناحية الجنوب، بالقرب من السرير وصولا
إلى نوافذ ناحية الشمال، ويمر الضوء والهواء بمنضدة الغذاء عبر مساحة تتكون
من 22 قدما. وتطل المساحة المخصصة لتناول الغذاء والمطبخ والحمام على
حديقة عامة بها شجرة عنب وشجرة صفصاف تغطي مساحة 600 قدم. أنفق دومان 900
دولار على سنفرة وإعادة تشطيب وإصلاح الأرضية المصنوعة من البلوط، ويظهر
على الأرضية لون بني فاقع وعليها منصات خشبية ذات لون داكن وتبين الحيطان
التي كانت موجودة فيه فيما مضى. وما زال الطوب مكشوفا في الشقة وهو ملون
باللون الأبيض. أولى دومان اهتماما خاصا بأماكن تخزين الأشياء، واختار
وحدات مفتوحة في معظم الحالات، ويقول المعماري التركي: «في أعمال التجديد
في نيويورك نجد الكثير من الخزائن في الحائط، وأرى أنها ثقيلة وسخيفة وتجعل
الفراغات أقل، ولكني أتبنى نوعا آخرا معتدلا، بابتكار بنية تحتية للاحتفاظ
بالأشياء دون التركيز على بناء أماكن التخزين هذه».
وللفصل بين غرفة النوم والمساحة المخصصة
لتناول الطعام، استخدم طريقة تتيح له توافر خزائن وأرفف حصل عليها من
«إنفينيت ستوراج سولوشنز» مقابل 4.300 دولار. ويعجب دومان بنظام الأرفف
العالمي لـ«فيتسوي» وتكلف ذلك نحو 23.000 دولار. وفي المطبخ، استخدم دومان
نظام أرفف «إيكيا» المفتوح على الحائط حول نافذة كبيرة، ومجموعة من
الصناديق على الحائط المقابل التي تحتوي على خزانة صغيرة. وتكلفت هذه
الأرفف والنجارة حوالي 1.800 دولار من «إيكيا». وفي محاولة لتقليل الأثاث
غير المثبت، اشترى دومان لوحا خشبيا مثبتا في الحائط ليكون سريرا مقابل 684
دولارا وصندوقا ملحقا بالحائط لمشغل «دي في دي» في غرفة المعيشة مقابل 615
دولارا. كما أنه استغنى عن جهاز للتدفئة والتهوية في مكان تناول الغداء
واستبدل به جهازا بخاريا صغيرا مقابل 560 دولارا. وجميع المخارج الكهربية
على الحائط أخفاها في صندوق داخل الحجرة، وقد دفع 650 دولارا مقابل ذلك
ومقابل الأعمال الكهربية الأخرى في الشقة، فضلا عن 800 دولار مقابل أعمال
النجارة التي تضمنت إصلاح إطارات النوافذ. ومن قطع الأثاث الأخرى الموجودة
في الشقة، والتي يشعر دومان أنها خفيفة، أريكة جلدية سوداء اللون مستعملة
من «إيماس» اشتراها بقرض أخذه من صديق له وكرسي من «سيت»، أحد المحلات
المفضلة له التابعة لـ«سوهو»، اشتراه مقابل أقل من 600 دولار. أما بالنسبة
للألوان التي استخدمها المعماري التركي في شقته، فالحوائط لها لون أبيض
ولون الأرضيات خشبي، بينما تميزت ألوان الحمام والمطبخ بالرمادي ولون
الكريمة؟ وتظهر بعض الألوان مثل اللون الأحمر لصندوق صيني يستخدم كمنضدة
للقهوة ومخزن للأمتعة في غرفة المعيشة، وهناك صورة كبيرة لصديقه ريتشارد
رينالدي، تمثل سائق عربة آيس كريم هندي. وثبت نحتا للمبة نيون زرقاء، صممها
ونفذها صديق له، في ركن مظلم من السقف لإنارة هذه المساحة. وبصورة عامة،
فإن ما قام به دومان هو توازن تدريجي بين لون يمكن التعايش معه والراحة من
ناحية، والرغبة في إظهار السمات الجيدة في المساحة الخالية. وفي هذا الصدد
يقول: «في المعتاد يهدف المعماري إلى ابتكار شيء جديد، وكان الهدف من
تصميمي البساطة، حيث كنت أريد إزالة الحيطان للكشف عن الحيّز الموجود الذي
استهواني منذ البداية».