البنوك المتوحشة

بقلم حسن عبد الرحمن

هذا الكلام مناسبة للحديث عن دور البنوك عموماً التي هي جزء من نظام رأسمالي متكامل، وعن طبيعة هذا الدور.

نتحدث
هنا عن دور البنوك عندنا وذلك لأن دورها اقتصر في معظمه على دور المرابي
كما ترويه الحكايات، (معظم أرباح البنوك تأتي من قروض الأفراد).

قبل
أن نلاحظ ماهية هذا الدور للبنوك، من المفيد التذكير أن بنوك أوروبا قامت
بتمويل نهضة أوروبا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية بالتكاتف مع مشروع
مارشال الشهير. وقامت تلك البنوك بتمويل عشرات الملايين من المشاريع
الصغيرة المنتجة، والقروض الشخصية هناك ساعدت ملايين البشر على الاستمرار
في حياتهم بعد الحرب.

ما قامت به البنوك الأوروبية لم يكن تبرعاً،
فهي بالطبع وضعت فوائد على كل تلك القروض، لكنها كانت فوائد معقولة بعيدة
عن الاستغلال البشع لأوضاع المقترضين.

بالمقابل انظروا إلى دور
البنوك في منطقتنا، فهي تتنافس في كيفية زيادة معدلات الفائدة، وتتنافس في
كيفية جباية الرسوم واختراعها اسباب لها، وتتنافس في وضع الشروط المجحفة
بحق عملائها. ولو قمنا بدراسة قوائم كتيبات الشروط التي تضعها البنوك
لوجدنا أنها مليئة بما يضمن حقوقها هي فقط، مع تجاهل شبه كلي لحقوق العملاء
وكأنهم مخلوقات صالحة للاستغلال فقط. خاصة في ما يتعلق بالقروض الشخصية
مضاف إليها طبعاً بطاقات الائتمان التي تصلح كنموذج على تلاعب البنوك
واحتيالها.

من جهة أخرى، فإن المصارف المركزية التي يفترض أنها
تراقب عمل البنوك، تنظر إلى قروض الأفراد من زاوية قدرة العميل على الوفاء
بالسداد؟ وإمكانية تحصيل هذه القروض؟ أي من نفس الزاوية التي تتطلع إليها
البنوك تقريباً. ولكنها لا تتطلع أبداً إلى الطريقة التي تتعامل فيها
البنوك مع العملاء، الذين بمجرد حصولهم على قروضهم يصبحون تحت تهديد عشرات
الشروط التعسفية التي جعلت من الاقتراض مصيدة قاتلة لشريحة واسعة من
المجتمع، دون أن نجد من يراجع أو يتساءل عن أحقية البنوك في فرض شروطها
التي تراكم التزامات غير منطقية على العملاء بعد أن تكون قد لاحقتهم
وأغوتهم بشتى الوسائل.

لا أحد يطالب البنوك بأن تكون بابا نويل،
وليس بمقدورها فعل ذلك. فهي كيانات قائمة على الربح. ولكننا نطالب بوضع
رقابة من المصارف المركزية أو من جمعيات حماية المستهلك أو أي جهة قادرة
وذات صلاحية، فالجرائم التي تقوم بها البنوك تجاه الأفراد هي جرائم موصوفة
مثلها مثل كل الجرائم الأخرى التي يحاسب عليها القانون.