على هامش مؤتمر المصرفية الإسلامية في اليمن محاكاة التجربة الماليزية ممكنه ولكن؟! سليمان عبد الله ناصر
انتهينا قبل أيام قليلة من حضور سلسلة ندوات نظمها البنك المركزي
الماليزي عن تجربة البنوك الإسلامية في ماليزيا بالتنسيق مع جامعة يو إس
إم، قسم العلوم المصرفية، تحدث فيها البروفيسور الحبشي مدير القسم
الأكاديمي للبنوك الإسلامية في البنك المركزي الماليزي، وشدني حديثه بقوله
إنه قابل مدير أحد البنوك التقليدية في بلجيكا وسأله خلال الحديث «أريد أن
أجتذب رؤوس أموال الخليجين والعرب، لذلك نريد أن نقوم ببناء مصارف إسلامية
كي تكون إطارا شرعيا يقنعهم ويساعدنا على تحقيق هدفنا».
أكثر الحاضرين قاموا برسم ابتسامة على وجوههم تحمل كثيرا من المعاني، أي
أن موضوع المصارف الإسلامية هناك ليس موضوعا إسلاميا وإنما مالي فقط ولا
غيره، والقصة قصة مادة وقصة تسويق فقط، وطبعا سيقوم البنك بتعيين ثلاثة أو
أربعة أعضاء هيئة شرعية ويليه بسم الله بدء العمل. لا أحد ينكر نمو أصول
البنوك الإسلامية وقدرتها على تجاوز الأزمة المالية العالمية سواء بسبب عدم
تجارتها في المشتقات أو بسبب حرصها على تنمية الأصول الثابتة.
حسب الإحصاءات فإن عدد البنوك الإسلامية حول العالم هو 396 بنكا تقوم
بإدارة ما يقارب 422 مليار دولار، وعدد البنوك غير إلاسلامية التي تقوم
بإدراة نوافذ إسلامية 320 بنكا تدير ما يقارب 200 مليار دولار سيولة، بمعدل
نمو قدره 15 في المئة إلى 20 في المئة سنويا (المصدر: بنك التنمية
الإسلامي).
لن ندخل هنا في تفاصيل فقهية قد تكون محل اختلاف كثير من العلماء، ولكن
سنحاول تسليط الضوء على نشأة وتحديات البنوك الإسلامية في ماليزيا، حيث
إنها أكثر تطورا، واقتراح كيفية الاستفادة منها مقارنة بالنظام المصرفي
اليمني.
بدأ الحديث عن المصارف الإسلامية في ماليزيا في عام 1963 ميلادية عندما
بدأ الماليزيون المسلمون يهتمون بعمل آلية تقوم بادخار المال لتمكينهم من
الحج، حيث قاموا بتأسيس منظمة اسمها (تابون حجي) تهتم بادخار المال
والاستثمار في طرق تتوافق مع الشريعة الإسلامية لا تدخل فيها الفوائد التي
يتم الحصول عليها من البنوك التقليدية. بعد نجاح هذا النموذج للادخار
الإسلامي برز عديد من الندوات والمؤتمرات أهمها كان ندوة للبروفيسور (أنجوك
عزيز) بعنوان «تطوير الاقتصاد وفق آلية الحجاج»، وبعدها بدأ الاهتمام
الحكومي بعمل بنوك إسلامية مستقلة، ترجم ذلك في عام 1981م بتأسيس هيئة عامة
تتكون من عشرين خبيرا مصرفيا لدراسة إمكانية عمل مصارف إسلامية في ماليزيا
ورفع النتائج للحكومة. وكانت النتائج إيجابية، أي أنه يجب عمل قانون مستقل
لعمل المصارف الإسلامية تلاه في عام 1983 إقامة أول بنك إسلامي مستقل تحت
اسم «بانك إسلام». بعد الأداء المشجع لبنك إسلام رسمت الحكومة الماليزية
هدفها في أي تكون ماليزيا من أهم المراكز العالمية للصيرفة الإسلامية،
فوافقت الحكومة في عام 1993 على السماح للبنوك التقليدية بفتح نوافذ
إسلامية وفق اشتراطات معينة، وفي عام 1999 تم تأسيس ثاني بنك إسلامي تحت
اسم «بنك معاملات»، وبعد هذه الفترة تم السماح بإعطاء رخص للبنوك الإسلامية
الأجنبية بالعمل في ماليزيا، فبدأ بنك الراجحي السعودي وبنك التمويل
الكويتي وغيرهما من البنوك في فتح فروع والعمل في ماليزيا.
لم يكن النمو في ماليزيا مقتصرا على نطاق تأسيس بنوك إسلامية وإنما
اتجهوا نحو النمو العلمي لتطوير البحث العلمي في مجال التمويل والخدمات
المصرفية الإسلامية فنجد جامعات كثر تتنافس على تدريس المصارف الإسلامية
كتخصص مستقل، ونجد كثيرا من الطلاب غير المسلمين يدرسون ويبحثون في مجال
الصيرفة الإسلامية، بل إن البنك المركزي الماليزي قام بإنشاء جامعة خاصة
متخصصة فقط في تدريس البنوك الإسلامية وعمل شهادات ومعايير عالمية كـ (سي
سي بي) شهادة المصرفي الإسلامي المعتمد، وتعطي أيضا الماجستير والدكتوراه
وتقدم عددا كبيرا من المقاعد المجانية للمتفوقين في هذا المجال وتختص أيضا
بإعداد كوادر متخصصة تغطي احتياج الجامعات للتدريس في هذا المجال. ميزانية
الجامعة 700 مليون رنجت أي قرابة 200 مليون دولار، هذه الميزانية مستثمرة
من قبل البنك المركزي الماليزي والأرباح لتغطية مصاريف الجامعة، وحسب كلام
المختصين أنهم بدأوا تغطية كامل احتياجاتهم من الأرباح المستثمرة فيما رأس
مال الجامعة المعطى من البنك المركزي لا يزال كما هو.
الاعتراضات على تجربة البنوك الإسلامية في ماليزية كثيرة، أهمها وأكثرها
شرعية وقليل منها تشغيلية، ومن الاعتراضات الشرعية على سبيل المثال:
مسالة الموافقة الشرعية على إنشاء النوافذ الإسلامية، حيث إن البعض يقر
بأنه لا يجوز إنشاء نوافذ إسلامية في بنوك هي أصلا غير إسلامية، حيث إن
البنوك التقليدية تعتبرها أسلوبا تسويقيا لجذب المسلمين في ماليزيا.
مسألة الموافقة الشرعية على وضع معايير يقال فيها إنه يجوز الاستثمار في
مشروع ما، حيث إن الماليزيين يقولون إنه إذا تم الاستثمار في مشروع نشاطه
حلال بنسبة ثمانين في المائة على سبيل المثال فإنه يكون حلالا، شريطة أن
يتم خصم العشرين في المائة من الأرباح والتبرع بها، والبعض الآخر يقول إنه
لا يجوز بأي حال من الأحوال الاستثمار في أي مشروع إلا إذا كان نشاطه ورأس
ماله حلال متوافق مع الشريعة مائة في المائة.
بيع الدين وبيع العينة والمتاجرة بالصكوك وخلق مشتقات .. هذه كلها مسائل
فقهية مختلف عليها أصدر فيها كثير من العلماء تصاريح قوية بالتحفظ عليها ..
آخرها تصريح تقي الدين عثماني الذي قال إن 85 في المئة من الصكوك لا
تتوافق من الشريعة.
أما أهم الاعتراضات التشغيلية فهي تتعلق بالسماح للبنوك الأجنبية بالعمل
في ماليزيا ولم تكن البنوك المحلية مستعدة بأكملها للمنافسة.
وعلى صعيد التجربة اليمنية، بدأت فكرة انطلاق البنوك الإسلامية في اليمن
في عام 1980 ميلادية وترجمت عمليا في 1987 ميلادية بإصدار قانون، لكن
القانون لم يترجم إلى أفعال وظل موضوع إنشاء بنك إسلامي حديث الكثيرين في
ذلك الوقت، وبعد نجاح كثير من البنوك الإسلامية في الخليج صدر القانون
اليمني في عام 1996 ميلادية. على رأس البنوك الإسلامية في اليمن حاليا بنك
التضامن وبنك سبأ الإسلامي، اللذان أثبتا وجودهما، وتعول الحكومة اليمنية
على البنوك الإسلامية الأربعة في اليمن في جذب استثمارات ورؤوس أموال إلى
اليمن لدعم عملية التنمية وحركة الإقراض، خاصة في المشاريع التي تقوم
بتشغيل اليد العاملة. آخر تصريحات البنك المركزي أنه سيقوم بإصدار الصكوك
الإسلامية لأول مرة في اليمن في القريب العاجل.
ومن أهم التحديات التي تواجه نمو البنوك الإسلامية حاليا التالي:
- العائلية:
أي أن هذه البنوك تتبع سياسات عائلية ولا تتبع سياسات مؤسسية، أي أن
الأرباح في هذه البنوك وسياسات التشغيل والملكية والاستثمار والعلاقة مع
البنك المركزي تحكمها قرارات مجالس إدارة تتبع بيوتا استثمارية.
- ضعف الإفصاح المحاسبي: وهو مبدأ من مبادئ العمل المالي لأي مؤسسة وهو
ما يشكل غموضا كبيرا أمام كثير من الراغبين في الاستثمار في هذه المصارف.
- بعض الاعتراضات الفقهية من قبل بعض العلماء تجاه العمل والآلية في البنوك الإسلامية.
- خلق منتجات جديدة تستطيع التوسع فيها وفتح فروع في الخارج. ربما إلى حد
ما الخلط في عمل مؤسسات هذه البنوك العائلية في العمل المصرفي والعمل
00.
- التفريق بين الفقيه والكادر المهني في العمل المصرفي الإسلامي.
الحوكمة.
- دعم البحث العلمي.
- قلة السيولة ورأس المال مع كثرة الطلب على الإقراض والحاجة إلى دعم المشاريع الصناعية.
- اهتمام البنك المركزي بعمل البنوك الإسلامية باليمن يكاد يكون بدأ لاحقا بشكل طفيف.
إذن من الأفضل للبنك المركزي اليمني الاهتمام بقطاع الصيرفة الإسلامية
بشكل كبير وجعله من أولويات اهتماماته الاستراتيجية وألا يسمح باندماج
البنوك الخليجية في هذه البنوك أو العربية، بل يجعلها تدخل البلد كمؤسسات
مستقلة لتشغيل عمالة يمنية أكثر ولجعل البنوك الإسلامية المحلية تطور آلية
تشغيلها كي تنافس البنوك الأجنبية الإسلامية الجديدة الداخلة لليمن، وعمل
خطة استراتيجية لنمو البنوك الإسلامية على غرار ماليزيا >