منتدى شباب جامعة إب
نـثر مـرورك في الــدرب زهـراً وريحانـا . . . وفاح عبــق اســــمك بوجـودك الفتــانـــا

فإن نطقت بخيـر فهو لشخصك إحسانا . . . وإن نطقت بشر فهو على شخصك نكرانا

وإن بقيت بين إخوانك فنحـن لك أعوانـا . . . وإن غادرت فنحن لك ذاكرين فلا تنسـانــا


منتدى شباب جامعة إب
نـثر مـرورك في الــدرب زهـراً وريحانـا . . . وفاح عبــق اســــمك بوجـودك الفتــانـــا

فإن نطقت بخيـر فهو لشخصك إحسانا . . . وإن نطقت بشر فهو على شخصك نكرانا

وإن بقيت بين إخوانك فنحـن لك أعوانـا . . . وإن غادرت فنحن لك ذاكرين فلا تنسـانــا


منتدى شباب جامعة إب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمركز رفع الصورأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
منتدى شباب جامعة إب منتدى ,علمي ,ثقافي ,ادبي ,ترفيهي, يضم جميع اقسام كليات الجامعة وكذا يوفر الكتب والمراجع والدراسات والابحاث التي يحتاجها الطالب في دراسته وابحاثه وكذا يفتح ابواب النقاش وتبادل المعلومات والمعارف بين الطلاب. كما اننا نولي ارائكم واقتراحاتكم اهتمامنا المتواصل . يمكنكم ارسال اقتراحاتكم الى ادارة المنتدى او كتابتها في قسم الاقتراحات والشكاوى

 

  تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Arwa Alshoaibi
مشرفـة عـامـة
مشرفـة عـامـة
Arwa Alshoaibi


كيف تعرفت علينا : ............
الكــلــيــة : ........
القسم ( التخصص ) : .......
السنة الدراسية (المستوى الدراسي) : .......
الجنس : انثى
عدد الرسائل : 12959
العمر : 35
الدوله : بعيييييييييييييييييييييييييييييد
العمل/الترفيه : القراءه والاطلاع على كل جديد
المزاج : متقلب المزاج
نقاط : 18850
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
: :قائمة الأوسمة : :
	 تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية   Aonye_10
	 تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية   1800010


بطاقة الشخصية
التقييم: 10

	 تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية   Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية    	 تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية   Icon_minitimeالأربعاء يوليو 27, 2011 2:11 am


الفصل الخامس : الإمارة الأموية

وقفة مع عبد الرحمن الداخل في قضائه على الثائرين


ذكرنا
سابقا أنه في خلال الأربع والثلاثين سنة الممتدة من بداية حكم عبد الرحمن
الداخل وحتى نهايته كان هناك أكثر من خمس وعشرين ثورة في كل أنحاء الأندلس،
وذكرنا أيضا كيف روّض بعضها وقمع غيرها بنجاح الواحدة تلو الأخرى، والتي
كان من أهمها ثورة العباسيين التي قام بها العلاء بن مغيث الحضرمي، وكيف تم
القضاء عليها.

وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل يجوز لعبد الرحمن الداخل أن يقاتل الثائرين وإن كانوا من المسلمين؟!

وحقيقة
الأمر أن موقفه هذا في قتال الثائرين داخل أرض الأندلس لا غبار عليه؛ لأن
الجميع كانوا قد اتفقوا عليه أميرا للبلاد، وقد جاء في صحيح مسلم عن عرفجة
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أَتَاكُمْ
وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ (أي مجتمع) عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَرَادَ أَنْ
يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا
مَنْ كَانَ.

ومن
هنا فقد كان موقف عبد الرحمن الداخل صارما مع الثوار؛ وذلك لقمع
الانقلابات المتكررة والتي تُضعف من جانب الأمن والاستقرار في البلاد.

إلا إنه من الإنصاف أن نذكر أنه رحمه الله كان دائما ما يبدأ بالاستمالة والسلم وعرض المصالحة، ويكره الحرب إلا إذا كان مضطرا.

وبلا
شك فإن ثمن هذه الثورات كان غاليا جدا، ففي السنوات الأربع من بداية دخول
عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس، من سنة ثمان وثلاثين ومائة وحتى سنة
اثنتين وأربعين ومائة من الهجرة سقطت كل مدن المسلمين التي كانت في فرنسا،
وذلك بعد أن كان قد حكمها الإسلام طيلة سبع وأربعين سنة متصلة، منذ أيام
موسى بن نصير رحمه الله وحتى زمن سقوطها هذا، وهكذا فإنها سنن الله
الثوابت، ما إن شُغل المسلمون بأنفسهم إلا وكان التقلص والهزيمة أمرا حتميا

عبد الرحمن الداخل وبناء دولته الجديدة

حين
استتب الأمر لعبد الرحمن الداخل في أرض الأندلس، وبعد أن انتهى نسبيا من
أمر الثورات بدأ يفكر فيما بعد ذلك، فكان أن اهتم بالأمور الداخلية للبلاد
اهتماما كبيرا، فعمل على ما يلي:

أولا: بدأ بإنشاء جيش قوي

وفي بنائه لجيشه الجديد عمل على ما يلي:

1)
اعتمد في تكوينة جيشه على العناصر التالية:

أ
- اعتمد في الأساس على عنصر المولّدين، وهم الذين نشأوا - كما ذكرنا -
نتيجة انصهار وانخراط الفاتحين بالسكان الأصليين من أهل الأندلس، وكانوا
يمثلون غالبية بلاد الأندلس.

ب
- اعتمد على كل الفصائل والقبائل الموجودة في بلاد الأندلس، فضم إليه كل
الفصائل المضرية سواء أكانت من بني أمية أو من غير بني أمية، وضم إليه كل
فصائل البربر، كما كان يضم إليه رءوس القوم ويتألفهم فيكونون عوامل مؤثرة
في أقوامهم، بل إنه ضم إليه اليمنيين مع علمه بأن أبا الصباح اليحصبي كان
قد أضمر له مكيدة، الأمر الذي جعله يصبر عليه حتى تمكن من الأمور تماما ثم
تخلص منه - كما ذكرنا - بعد إحدى عشرة سنة كاملة من توليه الحكم في البلاد.

ج
- كذلك اعتمد على عنصر الصقالبة، وهم أطفال نصارى كان قد اشتراهم عبد
الرحمن الداخل من أوروبا، ثم قام بتربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية عسكرية
صحيحة.

وبرغم
قدوم عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وحيدا، فقد وصل تعداد الجيش الإسلامي
في عهده إلى مائة ألف فارس غير الرجّالة، مشكّل من كل هذه العناصر السابقة،
والتي ظلت عماد الجيش الإسلامي في الأندلس لدى أتباع وخلفاء وأمراء بني
أمية من بعده.

2)
أنشأ رحمه الله دورا للأسلحة، فأنشأ مصانعا للسيوف وأخرى للمنجنيق، وكان من أشهر هذه المصانع مصانع طليطلة ومصانع برديل.

3)
أنشأ أيضا أسطولا بحريا قويا، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من ميناء كان منها ميناء طرطوشة وألمرية وأشبيليّة وبرشلونة وغيرها من الموانئ.

4)
كان
رحمه الله يقسم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام: قسم ينفقه بكامله
على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامة من مؤن ومعمار ومرتبات
ومشاريع وغير ذلك، والقسم الثالث كان يدخره لنوائب الزمان غير المتوقعة.

ثانيا: أولى العلم والجانب الديني اهتماما بالغا:

أعطى عبد الرحمن الداخل العلم والجانب الديني المكانة اللائقة بهما، فعمل على الآتي:

-
نشْر العلم وتوقير العلماء.

-
اهتم بالقضاء وبالحسبة.

-
اهتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

-
كان
من أعظم أعماله في الناحية الدينية بناء مسجد قرطبة الكبير، والذي أنفق
على بنائه ثمانين ألفا من الدنانير الذهبية، وقد تنافس الخلفاء من بعده على
زيادة حجمه حتى تعاقب على اكتماله في شكله الأخير ثمان خلفاء من بني أميّة.

ثالثا: العناية الكبيرة بالجانب الحضاري (المادي):

ويبرز ذلك في الجوانب التالية:

-
اهتمامه الكبير بالإنشاء والتعمير، وتشييد الحصون والقلاع والقناطر، وربطه أول الأندلس بآخرها.

-
إنشائه أول دار لسك النقود الإسلامية في الأندلس.

-
إنشائه
الرصافة، وهي من أكبر الحدائق في الإسلام، وقد أنشأها على غرار الرصافة
التي كانت بالشام، والتي أسسها جده هشام بن عبد الملك رحمه الله وقد أتى
لها بالنباتات العجيبة من كل بلاد العالم، والتي إن كانت تنجح زراعتها
فإنها ما تلبث أن تنتشر في كل بلاد الأندلس.

رابعا: حماية حدود دولته من أطماع الأعداء:

بالإضافة إلى إعداده جيشا قويا- كما وضحنا سابقا- وتأمينا لحدود دولته الجديدة قام عبد الرحمن الداخل بخوض مرحلتين مهمتين:

المرحلة
الأولى: كان عبد الرحمن الداخل يعلم أن الخطر الحقيقي إنما يكمن في دولتي
ليون في الشمال الغربي، وفرنسا في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس، فقام
بتنظيم الثغور في الشمال، ووضع جيوشا ثابتة على هذه الثغور المقابلة لهذه
البلاد النصرانية، وأنشأ مجموعة من الثغور كما يلي:

-
الثغر الأعلى، وهو ثغر سراقسطة في الشمال الشرقي في مواجهة لفرنسا.

-
الثغر الأوسط، ويبدأ من مدينة سالم ويمتد حتى طليطلة.

-
الثغر الأدنى، وهو في الشمال الغربي في مواجهة مملكة ليون النصرانية.

المرحلة
الثانية: كان رحمه الله قد تعلم من آبائه وأجداده عادة عظيمة جدا، وهي
عادة الجهاد المستمر وبصورة منتظمه كل عام، فقد اشتهرت الصوائف في عهده،
حيث كان المسلمون يخرجون للجهاد في الصيف، وبصورة منتظمة وذلك حين يذوب
الجليد، وكان يتناوب عليهم فيها كبار قواد الجيش، وأيضا كان يُخرج الجيوش
الإسلامية إلى الشمال كل عام بهدف الإرباك الدائم للعدو، وهو ما يسمونه
الآن في العلوم العسكريه بالهجوم الإجهاضي المسبق.

عبد الرحمن الداخل.. الأمير الفَذ

لولا
عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام من الأندلس بالكلية، هكذا قال المؤرخون
عن عبد الرحمن بن معاوية، وإنا لتعلونا الدهشة ويتملكنا العجب حين نعلم أن
عمره حينذاك لم يتجاوز الخامسة والعشرين عاما، أي في سن خريج جامعة في
العصر الحديث.

ملَك
من السماء، أم ماذا هو؟! لن نذهب بعيدا، وسنترك الحديث عنه إلى ابن حيّان
الأندلسي، ولنعي ما يقوله عنه، يقول ابن حيان مستعرضا بعضا من صفات عبد
الرحمن الداخل
:

كان
عبد الرحمن الداخل راجح العقل، راسخ الحلم، واسع العلم، ثاقب الفهم، كثير
الحزم، نافذ العزم، بريئا من العجز، سريع النهضة، متصل الحركة، لا يخلد إلى
راحة، ولا يسكن إلى دعة، بعيد الغور، شديد الحدة، قليل الطمأنينة، بليغا
مفوّها، شاعرا محسنا، سمحا سخيا، طلق اللسان، وكان قد أعطي هيبة من وليّه
وعدوّه، وكان يحضر الجنائز ويصلي عليها، ويصلي بالناس الجمع والأعياد إذا
كان حاضرا، ويخطب على المنبر، ويعود المرضى. انتهى كلامه رحمه الله.

شخصية
تُشخِص الأبصار وتبهر العقول، فمع رجاحة عقله وسعة علمه كان لا ينفرد
برأيه، فإذا اجتمعت الشورى على رأي كان نافذ العزم في تطبيقه رحمه الله،
ومع شدته وحزمه وجهاده وقوته كان رحمه الله شاعرا محسنا رقيقا مرهف المشاعر.

ومع
هيبته عند أعدائه وأوليائه إلا أنه كان يتبسط مع الرعية، ويعود مرضاهم،
ويشهد جنائزهم، ويصلي بهم ومعهم، ومع كونه شديد الحذر قليل الطمأنينه، فلم
يمنعه ذلك من معاملة الناس والاختلاط بهم ودون حراس، حتى خاطبه المقربون في
ذلك وأشاروا عليه ألا يخرج في أوساط الناس حتى لا يتبسطوا معه، ولكن كيف
يمتنع عن شعبه وهو المحبوب بينهم والمقرّب إلى قلوبهم؟! ولقد صدق من قال:
حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.

فكان
له حقا أن يأتي إلى هذه البلاد وحيدا مطاردا مطلوب الرأس، تجري وراءه قوى
الأرض جميعا، فعباسيون في المشرق، وخوارج في المغرب، ومن بعدهم نصارى في
الشمال، وثورات في الداخل، ثم هو يقوم وسط هذه الأجواء بتأسيس هذا البنيان
القوي، وهذه الدولة الإسلامية ذات المجد التليد.

ونستطيع
أن نفهم شخصيته بصورة أوضح حين نعلم كيف كان في معاملته للناس، فقد جاء أن
أحد الناس طلب منه حاجة أمام أعين الحاضرين، فقضاها له ثم قال له: إذا ألم
بك خطب أو حَزَبك أمر فارفعه إلينا في رقعة لا تعدوك؛ كي نستر عليك، وذلك
بعد رفعك لها إلى مالكك ومالكنا - عز وجهه - بإخلاص الدعاء وصدق النيّة.

إنها
لتربية ربانية لشعبه، كل شعبه، فهو يريد رحمه الله أن يربط الناس بخالقهم،
يريد أن يعلمهم أن يرفعوا حاجتهم إليه أولا سبحانه وتعالى، يريد أن يعلمهم
أنه سبحانه وتعالى يملكه ويملكهم جميعا، ثم مراعاة لعواصف النفس الداخلية،
وحفظا لماء وجه الرعية عند السؤال قال له: فارفع إلينا حاجتك في رقعة كي
نستر عليك ولا يشمت أحد فيك.

وها
هو رحمه الله يدخل عليه أحد الجنود ذات يوم كان قد انتصر فيه على النصارى،
فتحدث معه الجندي بأسلوب فيه رفع صوت وإساءة أدب، فما كان منه رحمه الله
إلا أن أخذ يعلمه خطأه ويقول له: يا هذا، إني أعلمك من جهل، إنه يشفع لك في
هذا الموقف هذا النصر الذي نحن فيه؛ فعليك بالسكينة والوقار؛ فإني أخاف أن
تسيء الأدب في يوم ليس فيه نصر فأغضب عليك. فإذا بالجندي وقد وعى أمره يرد
عليه ردا لبيبا ويقول له: أيها الأمير، عسى الله أن يجعل عند كل زلة لي
نصر لك فتغفر لي زلاتي. وهنا علم عبد الرحمن الداخل أن هذا ليس اعتذار
جاهل؛ فأزاح الضغينة من قلبه وقرّبه إليه ورفع من شأنه.

الإمارة الأموية وفتراتها الثلاث

ظل
عبد الرحمن الداخل يحكم الأندلس منذ سنة ثمان وثلاثين ومائة من الهجرة،
وحتى سنة اثنتين وسبعين ومائة من الهجرة، أي قرابة أربعة وثلاثين عاما،
وكانت هذه هي بداية تأسيس عهد الإمارة الأموية، والتي استمرت من سنة ثمان
وثلاثين ومائة من الهجرة وحتى سنة ست عشرة وثلاثمائة من الهجرة
.

ولفهم عهد الإمارة الأموية يمكننا تقسيمه إلى فترات ثلاث كما يلي:

الفترة الأولى:
واستمرت مائة عام كاملة، من سنة ثمان وثلاثين ومائة وحتى سنة ثمان وثلاثين
ومائتين من الهجرة، وتعتبر هذه الفترة هي فترة القوة والمجد والحضارة،
وكان فيها هيمنة للدولة الإسلامية على ما حولها من مناطق
.

الفترة الثانية: وتعد فترة ضعف، وقد استمرت اثنين وستين عاما، من سنة ثمان وثلاثين ومائتين وحتى سنة ثلاثمائة من الهجرة.

الفترة الثالثة: وهي الأخيرة وهي ما بعد سنة ثلاثمائة.

الفترة الأولى من الإمارة الأموية (فترة القوة)

تمثل
هذه الفترة عهد القوة في فترة الإمارة الأموية، كانت البداية فيها -كما
ذكرنا - لعبد الرحمن الداخل رحمه الله ثم خلفه من بعده ثلاثة من الأمراء،
كان أولهم هشام بن عبد الرحمن الداخل، وقد حكم من سنة اثنين وسبعين ومائة
وحتى سنة ثمانين ومائة من الهجرة
.

عهد هشام بن عبد الرحمن الداخل


بعد
فترة طويلة من الاختبارات والمشاورات كان عبد الرحمن الداخل قد استقر من
بين ابنيه الأكبر سليمان والأصغر هشام على ابنه هشام، فولاّه العهد مع كونه
أصغر من أخيه سليمان، وقد صدق حدسه فيه؛ حيث كان الناس يشبهونه بعد ذلك
بعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في علمه وعمله وورعه وتقواه
.

كان
هشام بن عبد الرحمن الداخل عالما محبا للعلم، قد أحاط نفسه رحمه الله
بالفقهاء، وكان له أثر عظيم في بلاد الأندلس بنشره اللغة العربية فيها، وقد
أخذ ذلك منه مجهودا وافرا وعظيما، حتى لقد أصبحت اللغة العربية تُدرّس في
معاهد اليهود والنصارى في داخل أرض الأندلس، ثم قام أيضا بنشر المذهب
المالكي بدلا من المذهب الأوزاعي، هذا فضلا عن صولاته وجولاته الكثيرة في
الشمال مع الممالك النصرانية
.

عهد الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل


تولى
بعد هشام بن عبد الرحمن الداخل ابنه الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل،
وذلك من سنة ثمانين ومائة وحتى سنة ست ومائتين من الهجرة، لكن الحكم هذا لم
يكن على شاكلة أبيه ولا على شاكلة جده، فكان قاسيا جدا، فرض الكثير من
الضرائب، واهتم بالشعر والصيد، وقاوم الثورات بأسلوب غير مسبوق في بلاد
الأندلس في عهد الإمارة الأموية، حيث كان يحرق بيوت الثائرين، وكان يطردهم
خارج البلاد
.

ومن
أشهر الثورات التي قمعها الحكم بن هشام ثورة الربض، وهم قوم كانوا يعيشون
في منطقة جوار قرطبة، وقد ثار أهلها ثورة كبيرة جدا عليه، فأحرق ديارهم
وطردهم خارج البلاد، ورغم ما في هذا الأمر من القسوة وغيرها فإنه حين طرد
الربضيين خارج البلاد فقد انتقلوا إلى جزيرة كريت في عرض البحر الأبيض
المتوسط، وأسسوا بها مملكة إسلامية ظلت قائمة مائة عام متصلة
.

ورغم
أفعاله تلك إلا أن الحكم بن هشام لم يوقف حركة الجهاد؛ وذلك لأن الجهاد
كان عادة في الإمارة الأموية سواء في بلاد الشام أو في بلاد الأندلس، لكن
كانت له انتصارات وهزائم في نفس الوقت، وكنتيجه طبيعية لهذا الظلم الذي كان
عنده، وهذه العلاقة التي ساءت بين الحاكم والمحكوم سقطت بعض البلاد
الإسلامية في يد النصارى، فسقطت برشلونة وأصبحت تُكّون إمارة نصرانية صغيرة
في الشمال الشرقي عرفت في التارخ باسم إمارة أراجون، وكانت متاخمة لحدود
فرنسا بجوار جبال البيرينيه في الشمال الشرقي للبلاد
.

لكن
الحكم بن هشام بفضل من الله ومنٍ عليه أنه تاب عن أفعاله في آخر عهده،
ورجع عن ظلمه، واستغفر واعتذر للناس عن ذنوبه، ثم اختار من أبنائه أصلحهم
وإن لم يكن الأكبر ليكون وليا لعهده، وكان من حسن خاتمته أنه قام بهذا
الاعتذار وهذه التوبة وهو في كامل قوته وبأسه، وذلك قبل موته بعامين
.

عهد عبد الرحمن الأوسط

بعد
الحكم بن هشام تولى ابنه عبد الرحمن الثاني، وهو المعروف في التاريخ باسم
عبد الرحمن الأوسط (فهو الأوسط بين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر
كما سيأتي)، وقد حكم من سنة ست ومائتين وحتى آخر الفترة الأولى (عهد القوة)
من عهد الإمارة الأموية، وذلك سنة ثمان وثلاثين ومائتين من الهجرة، وتعد
فترة حكمه هذه من أفضل فترات تاريخ الأندلس، فاستأنف الجهاد من جديد ضد
النصارى في الشمال وألحق بهم هزائم عدة، وكان حسن السيرة، هادئ الطباع،
محبا للعلم محبا للناس
.

ومن أهم ما ميز عهد عبد الرحمن الأوسط الأمور الثلاثة التالية
:

أولا: ازدهار الحضارة العلمية:

كان
عبد الرحمن الأوسط لتقديره العلم يستقدم العلماء من بغداد ومن كل بلاد
العالم الإسلامي، فجاءوا إلى بلاد الأندلس وعظمهم وأكرمهم ورفع من شأنهم،
وأسس نواة مكتبة قرطبة العظيمة، وأشاع التعليم في كل بلاد الأندلس
.

وقد
اشتهر العلماء في هذه الفترة في كل مجالات العلوم، وكان من أشهرهم في ذلك
الوقت عباس بن فرناس رحمه الله، وهو أول من قام بمحاولة طيران في العالم،
وقد راح ضحية هذه المحاولة البكر، وفضلا عن هذا فقد كانت له اختراعات كثيرة
في شتى المجالات، فاخترع آله لتحديد الوقت، واخترع آله تشبه قلم الحبر،
وقد كان لهذا الاختراع أهمية كبيرة في ذلك الزمن الذي انتشر فيه العلم
والتعليم، ويعد أيضا أول من اخترع الزجاج من الحجارة
.

ثانيا: ازدهار الحضارة المادية:

اهتم
عبد الرحمن الأوسط بالحضارة المادية (العمرانية والاقتصادية وغيرها)
اهتماما كبيرا، فازدهرت حركة التجارة في عهده، ومن ثم كثرت الأموال؛ الأمر
الذي أجمع فيه المؤرخون أنه لم يكن هناك في الأندلس ما نسميه بـ "عادة
التسول"، كانت هذه العادة منتشرة في بعض البلاد الإسلامية الأخرى لكنها لم
تُعرف أصلا في بلاد الأندلس
.

كذلك
تقدمت وسائل الري في عهده بشكل رائع، وتم رصف الشوارع وإنارتها ليلا في
هذا العمق القديم جدا في التاريخ، الوقت الذي كانت أوروبا تعيش فيه في جهل
وظلام دامس، كما أقام القصور المختلفة والحدائق الغنّاء، وتوسع جدا في
ناحية المعمار حتى كانت المباني الأندلسية آية في المعمار في عهده رحمه
الله
.

ثالثا: وقف غزوات النورمان:

النورمان
هم أهل إسكندنافيا، وهي بلاد تضم الدانمارك والنرويج وفنلندا والسويد، وقد
كانت هذه البلاد تعيش في همجية مطلقة، فكانوا يعيشون على ما يسمى بحرب
العصابات، فقاموا بغزوات عرفت باسم غزوات الفايكنج، وهي غزوات إغارة على
أماكن متفرقة من بلاد العالم، ليس من هم لها إلا جمع المال وهدْم الديار
.

في
عهد عبد الرحمن الأوسط وفي سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة هجمت هذه القبائل
على أشبيلية من طريق البحر في أربع وخمسين سفينة، دخلوا فأفسدوا فسادا
كبيرا، فدمروا أشبيلية تماما، ونهبوا ثرواتها، وهتكوا أعراض نسائها، ثم
تركوها إلى شذونة وألمرية ومرسيه وغيرها من البلاد فأشاعوا الرعب وعم
الفزع، وهذه هي طبيعة الحروب المادية بصفة عامة، وشتّان بين المسلمين في
فتحهم للبلاد وبين غيرهم في معاركهم
.

ما
كان من عبد الرحمن الأوسط رحمه الله إلا أن جهز جيشه وأعد عدته، ولأكثر من
مائة يوم كاملة دارت بينه وبينهم معارك ضارية، أغرقت خلالها خمس وثلاثين
سفينة للفايكنج، ومنّ الله على المسلمين بالنصر، وعاد النورمان إلى بلادهم
خاسئين
.

لم
يجنح عبد الرحمن الأوسط رحمه الله بعدها إلى الدعة أو الخمول، وإنما عمل
على تفادي تلك الأخطاء التي كانت سببا في دخول الفايكنج إلى بلاده فقام بما
يلي
:

أولا:
رأى أن أشبيلية تقع على نهر الوادي الكبير الذي يصب في المحيط الأطلنطي،
ومن السهولة جدا أن تدخل سفن الفايكنج أو غيرها من المحيط الأطلنطي إلى
أشبيلية، فقام بإنشاء سور ضخم حول أشبيلية، وحصّنها تحصينا ظلت بعده من
أحصن حصون الأندلس بصفة عامة
.

ثانيا:
لم يكتف بذلك بل قام أيضا بإنشاء أسطولين قويين جدا، أحدهما في الأطلسي
والآخر في البحر الأبيض المتوسط، وذلك حتى يدافع عن كل سواحل الأندلس،
فكانت هذه الأساطيل تجوب البحار وتصل إلى أعلى حدود الأندلس في الشمال عند
مملكة ليون، وتصل في البحر الأبيض المتوسط حتى إيطاليا
.

وكان
من نتيجة ذلك أنه فتح جزر البليار للمرة الثانية، (كنا قد ذكرنا أن الذي
فتحها للمرة الأولى كان موسى بن نصير رحمه الله وذلك قبل فتح الأندلس سنة
إحدى وتسعين من الهجرة، ثم سقطت في أيدي النصارى في عهد الولاة الثاني حين
انحدر حال المسلمين آنذاك، وهنا وفي سنة أربع وثلاثين ومائتين من الهجرة تم
فتحها ثانية
).

كذلك
كان من نتيجة هزيمة الفايكنج في هذه الموقعة قدوم سفارة من الدانمارك
محملة بالهدايا تطلب ود المسلمين، وتطلب المعاهدة معهم، وهكذا فالبعض من
البشر لا تردعه إلا القوة ولا تصده إلا لغة الأقوياء
.

الفترة الثانية من الإمارة الأموية (فترة الضعف)

بوفاة
عبد الرحمن الأوسط رحمه الله يبدأ عهد جديد في بلاد الأندلس، وهو فترة
الضعف في الإمارة الأموية، ويبدأ من سنة ثمان وثلاثين ومائتين وحتى سنة
ثلاثمائة من الهجرة، أي حوالي اثنتين وستين سنة
.

تولى
بعد عبد الرحمن الأوسط ابنه محمد بن عبد الرحمن الأوسط ثم اثنين من أولاده
المنذر ثم عبد الله، وحقيقة الأمر أن الإنسان ليتعجب: كيف بعد هذه القوة
العظيمة والبأس الشديد والسيطرة على بلاد الأندلس وما حولها يحدث هذا الضعف
وهذا السقوط وهذا الانحدار؟
!

فمن
سنن الله سبحانه وتعالى أن الأمم لا تسقط فجأة، بل إن الأمر يكون متدرجا
وعلى فترات طويلة، فهذا عهد الولاة الثاني - كما ذكرنا - كان السبب في ضعفه


أولا: انفتاح الدنيا وحب الغنائم
.

ثانيا: القبلية والقومية
.

ثالثا: ظلم الولاة
.

رابعا: ترك الجهاد
.

وكل هذه الأسباب لم تنشأ فجأة، وإنما كانت بذورها قد نشأت منذ أواخر عهد القوة من عهد الولاة أثناء وبعد موقعة بلاط الشهداء
.

إذن
لكي نفهم سبب ضعف الإمارة الأموية علينا أن نرجع قليلا، وندرس الفترة
الأخيرة من عهد القوة، ونبحث فيها عن بذور الضعف والأمراض التي أدّت إلى
هلكة أو ضعف الإمارة الأموية في هذا العهد الثاني
.

عوامل وأسباب ضعف الإمارة الأموية:

كان من أهم أسباب ضعف الإمارة الأموية ما يلي:

أولا: كثرة الأموال وانفتاح الدنيا على المسلمين من جديد:

من
جديد كانت الدنيا قد انفتحت على المسلمين، وكثرت الأموال في أيديهم، وقد
زاد هذا بشدة في أواخر عهد القوة من الإمارة الأموية، فكانت قد ازدهرت
التجارة كثيرا، ولم يوجد هناك في البلاد فقير، وفتن الناس بالمال، وتكرر
ثانية هنا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرُ
أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ
كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا
تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ. وقال أيضا صلى الله
عليه وسلم : إِنَّ لِكُلِّ أُمّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ.
ومرارا وتكرارا حذر صلى الله عليه وسلم من الدنيا وقلل من قيمتها، فكان
يقول: مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَضَعُ أَحَدُكُمْ
إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ
.

ثانيا: زرياب


اسم
ليس بغريب لكنه كان كدابة الأرض التي أكلت منسأة سليمان عليه السلام فسقط
جسده على الأرض، زرياب هذا كان من مطربي بغداد، تربى هناك في بيوت الخلفاء
والأمراء حيث كان يغني لهم ويطربهم، وكان معلمه هو إبراهيم الموصلي كبير
مطربي بغداد في ذلك الوقت
.

مع
كر الأيام ومر السنين لمع نجم زرياب في بغداد فغار منه إبراهيم الموصلي،
فدبر له مكيدة فطُرد من البلاد، كانت مشارق الأرض الإسلامية ومغاربها متسعة
جدا في ذلك الوقت، وبعد حيرة وجد زرياب ضالته في الأندلس؛ حيث الأموال
الكثيرة والحدائق والقصور، وهي صفات كثيرا ما يعشقها أمثال هؤلاء،
وبالمقابل فمثلها أيضا تكون أرضا خصبة لاستقبال وإيواء أمثالهم
.

الأندلس
إلى هذه الفترة لم تكن تعرف الغناء، إلا أن زرياب ذهب إلى هناك فاستقبلوه
وعظموه وأحسنوا وفادته، حتى دخل على الخلفاء، ودخل بيوت العامه ونواديهم،
فأخذ يغني للناس وأخذ يعلمهم ما قد تعلمه في بغداد، ولم يكتف زرياب
بتعليمهم الغناء وتكوين ما يسمى بـ الموشحات الأندلسية، لكنه بدأ يعلمهم
فنون (الموضة) وملابس الشتاء والصيف والربيع والخريف، وأن هناك ملابس خاصة
بكل مناسبة من المناسبات العامة والخاصة
.

الناس
في الأندلس لم يكونوا على هذه الشاكلة إلا أنهم أخذوا يسمعون من زرياب
ويتعلمون، خاصة وأنه قد بدأ يعلمهم أيضا فنون الطعام كما ملابس الموضة
تماما، وأخذ يحكي لهم حكايات الأمراء والخلفاء والأساطير والروايات وما إلى
ذلك حتى تعلّق الناس به بشدّة، وتعلّق الناس بالغناء وكثر المطربون في
بلاد الأندلس، ثم بعد ذلك انتشر الرقص، وكان في البداية بين الرجال ثم
انتقل إلى غيرهم وهكذا
.

الغريب
أن دخول زرياب إلى أرض الأندلس كان في عهد عبد الرحمن الأوسط رحمه الله
ذلك الرجل الذي اهتم بالعلم والحضارة والعمران والاقتصاد وما إلى ذلك، لكنه
- وللأسف - ترك زرياب يفعل كل هذه الأمور وينخر في جسد الأمة من دون أن
يدري أحد
.

ففي
الوقت الدي انتعشت فيه النهضة العلمية وكثر العلماء، إلا أن كلام زرياب
المنمق وإيقاعه الرنان صرف الناس عن سماع العلماء إلى سماعه هو، وصرف الناس
عن سماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن سماع قصص السلف الصالح إلى
سماع حكاياته العجيبة وأساطيره الغريبة، بل والله لقد صُرف الناس عن سماع
القرآن الكريم إلى سماع أغاني زرياب
.

وهذا
ليس بعجيب أو جديد؛ ففي بداية دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة،
وحين رآه النضر بن الحارث وكان من رءوس الكفر يخاطب الناس بالقرآن فيتأثرون
ويؤمنون بهذا الدين، ما كان منه إلا أن قطع أميالا طويلة وذهب إلى بلاد
فارس، وقضى هناك فترات كثيرة يتعلم حكايات رستم واسفنديار، ويتعلم الأساطير
الفارسية، ثم اشترى غانيتين وعاد إلى مكة، وفي مكة كان النضر بن الحارث
يقوم بحرب مضادة للدعوة الإسلامية، فكان إذا وجد في قلب رجل ميلا إلى
الإسلام أرسل له الغانيتين تغنيانه ما كان في بلاد فارس من حكايات رستم
واسفنديار حتى يلهياه عن هذا الدين، وظل على هذا النحو حتى لقد أنزل الله -
سبحانه وتعالى - فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ] {لقمان:6} . وقد
أقسم عبد الله بن مسعود رحمه الله أنها ما نزلت إلا في الغناء
.

وهكذا؛
فلا يهدأ الشيطان ولا ينام حتى في وجود هذه النهضة العلمية، [ثُمَّ
لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ]
{الأعراف:17} . فكلما زاد الاهتمام بالدين وارتقى مستوى الإيمان عند الناس
وتعلقت قلوبهم بالمساجد، كلما نشط الشيطان وزادت حركته عبر طريق زرياب ومن
سار على نهجه
.

وللأسف
فإنه بالرغم من مرور أكثر من ألف ومائتى عام على وفاة زرياب هذا، إلا أن
له شهرة واسعة في كل بلاد المغرب العربي، فلم يسمع الكثير من الناس عن
السمح بن مالك الخولاني وعنبسة بن سحيم رحمهم الله ولم يسمعوا عن عقبة بن
الحجاج أو سيرة عبد الرحمن الداخل أو عبد الرحمن الأوسط، ولم يسمعوا عن
كثير من قواد المسلمين في فارس والروم وفي بلاد أفريقيا والأندلس لكنهم
سمعوا عن زرياب، ويعرفون سيرته وتفاصيل حياته، بل إن موشحاته الأندلسية ما
زالت إلى يومنا هذا تغنى في تونس والمغرب والجزائر، ومازالت تُدرّس سيرته
الذاتيه هناك على أنه رجلا من قواد التنوير والنهضة، يمجَّد في حربه ضد
الجمود وكفاحه من أجل الفن، ولا يعلم الناس أن زرياب هذا ومن سار على طريقه
كان سببا رئيسيا في سقوط بلاد الأندلس، ولا حول ولا قوة إلا بالله
.

ثالثا: عمر بن حفصون


عمر
بن حفصون هذا هو جون جارنج السوداني باصطلاح العصر الحديث، وهو مسلم من
المولدين، أي من أهل الأندلس الأصليين، كان عمر بن حفصون قاطعا للطريق وكان
يتزعم عصابة من أربعين رجلا، حين بدأ الناس يركنون إلى الدنيا ويتركون
الجهاد في سبيل الله زاد حجمه، واشتد خطره، وبدأ يثور في منطقة الجنوب حتى
أرهب الناس في هذه المنطقة، وأخذ يجمع حوله الأنصار إلى أن زاد حجمه كثيرا،
فسيطر على كل الجنوب الأندلسي
.

في
سنة ست وثمانين ومائتين من الهجرة قام عمر بن حفصون بعمل لم يتكرر كثيرا
في التاريخ الإسلامي بصفة عامة وتاريخ الأندلس بصفة خاصة، فلكي يعضد من
قوته في آخر عهده، وبعد اثنين وعشرين عاما من ثورته انقلب على عقبيه وتحول
من الإسلام إلى النصرانية، وسمّى نفسه صمويل، وذلك بهدف كسب وتأييد مملكة
ليون النصرانية في الشمال، وهو وإن كان قد تركه بعض المسلمين الذين كانوا
معه إلا إنه نال بالفعل تأييد مملكة ليون، الوقت الذي تزامن مع توقف الجهاد
في ممالك النصارى
.

بدأت
مملكة ليون تتجرأ على حدود الدولة الإسلامية، فبدأت تهاجمها من الشمال
وعمر بن حفصون أو صمويل من جهة الجنوب، تماما كما كانت تفعل أمريكا واليهود
مع جون جرنج المتمرد في جنوب السودان، والهدف لا يخفى على الجميع، فحين
يمدونه بالسلاح والخطط والخرائط، والأغذية والأموال والمؤن وغيرها، فستضعف
السودان وتضرب من الداخل، وتشغل بنفسها، ومن ثم يتوقف المد الإسلامي من
السودان إلى بلاد وسط وجنوب إفريقيا
.

وهذا
بالضبط ما حدث في الأندلس مع عمر بن حفصون، وحدث قبل ذلك بكثير في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين راسلت قريش عبد الله بن أبي بن سلول في
المدينة المنورة، وشجعته كثيرا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وطرده من بلاده
.

نظرة تحليلية على الوضع أواخر عهد الضعف

بعد
اثنين وستين عاما من الضعف الشديد وتفاعل عوامل السقوط مع بعضها البعض،
إليك نظرة عامة على طبيعة الوضع في بلاد الأندلس أواخر عهد الضعف في
الإمارة الأموية، أي سنة ثلاثمائة من الهجرة، وإيضاح أهم الملامح التي سادت
هذا العصر التي كانت من فعل ونتاج عوامل الضعف، فكان ما يلي
:

أولا: تصاعد وكثرة الثورات داخل الأندلس:

كان
هناك ثوارت لا حصر لها داخل الأندلس، بل واستقلالات في كثير من المناطق،
والتي كان من أشهرها استقلال صمويل أو عمر بن حفصون، حيث استقل بالجنوب
وكوّن ما يشبه الدويلة، فضم إليه الكثير من الحصون، حتى ضم كل حصون أستجّة
وجيّان، والتي كانت عند فتح الأندلس من أحصن المناطق الأندلسية على
الإطلاق، وكذلك كانت غرناطة إحدى المدن التي في حوزته، والتي اتخذ لها
عاصمة سمّاها (بابشتر) وتقع في الجنوب بجوار ألمريّة على ساحل البحر الأبيض
المتوسط
.

كان من هذه الثورات الكبيرة أيضا ثورة ابن حجاج في أشبيليّة، وكانت هذه الثورة تمد وتساعد عمر بن حفصون أو صمويل في ثورته ضد قرطبة
.

ومثلها
كانت ثورة ثالثة في شرق الأندلس في منطقة بلنسية، ورابعة في منطقة سرقسطة
في الشمال الشرقي، حيث استقلت إمارة سرقسطة أيضا عن الإمارة الأموية في
قرطبة، وخامسة في غرب الأندلس يقودها عبد الرحمن الجليقي، وسادسة في
طليطلة، وهكذا ثورات وثورات أدت في نهاية الأمر إلى أن الحكومه المركزية
للإمارة الأموية في قرطبة لم تعد تسيطر في كل بلاد الأندلس إلا على مدينة
قرطبة وحدها، إضافة إلى بعض القرى التي حولها
.

ومن
ثم فقد انفرط العقد تماما في سنة ثلاثمائة من الهجرة، وتوزعت الأندلس بين
كثير من القواد، كُلّ يحارب الآخر وكُلّ يبغي ملكا ومالا
.

ثانيا: تكوّن مملكة نصرانية ثالثة

ذكرنا
سابقا أنه كان هناك مملكتان نصرانيتان، هما مملكة ليون في الشمال الغربي
ومملكة أراجون في الشمال الشرقي وعاصمتها برشلونة، واللتان تكونتا زمن ضعف
المسلمين في عهد الولاة الثاني، وهنا وفي الفترة الثانية من فترتي الإمارة
الأموية تكونت في الشمال أيضا مملكة نصرانية ثالثة كانت قد انفصلت عن مملكة
ليون، وهي مملكة أو إمارة نافار وتكتب في بعض الكتب العربية "ناباره"،
وتعرف الآن في أسبانيا بإقليم الباسك، ذلك الإقليم الذي يحاول الانشقاق عن
أسبانيا
.



هذه
الممالك النصرانيّة الثلاث بعد أن كانت تخاف المسلمين في عهد الإمارة
الأموية الأول تجرأت كثيرا على البلاد الإسلامية، فهاجمت شمال الأندلس
وبدأت تقتل المسلمين المدنيين في مدن الأندلس الشمالية
.

ثالثا: قتل ولي العهد

أمر
خطير آخر قد ظهر، وهو يعبر عن مدى المأساة والفتنة في ذلك الوقت، وهو أن
ولي العهد للأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط الذي كان يحكم
البلاد في ذلك الوقت قتله أخوه المطرف بن عبد الله، وكان ولي العهد هذا
يسمى محمد بن عبد الله، فأصبح الوضع من الخطورة بمكان
.

وهكذا
يكون الحال حين يختلف المسلمون ويفترقوا، وحين ينشغلوا بدنياهم وبزريابهم
وبأنفسهم، حكومات نصرانية في الشمال تهاجم المسلمين، ثورات واستقلالات في
الداخل، قتل لولي العهد القادم، بلاد إسلامية واسعة بدون ولي عهد في هذه
المرحلة الحرجة


رابعا: ظهور نجم دولة شيعية في بلاد المغرب كانت من أخطر الدول على بلاد الأندلس

زاد
الأمور سوءا في بلاد الأندلس ظهور دولة جديدة في بلاد المغرب كانت من أشد
الدول خطورة على بلاد الأندلس، وهي الدولة المسمّاة بالفاطميّة، واسمها
الصحيح الدولة العبيدية
.

ظهرت
الدولة العبيدية في بلاد المغرب العربي سنة ست وتسعين ومائتين من الهجرة،
أي قبل سنة ثلاثمائة (نهاية الفترة الثانية من الإمارة الأموية) بأربع
سنوات فقط، وكانت دولة شيعية خبيثة همها الأول قتل علماء السنّة في بلاد
المغرب العربي، ومحاولة نشر نفوذها في هذه المنطقة، فانتشرت بصورة سريعة من
بلاد المغرب إلى الجزائر إلى تونس، ثم إلى مصر والشام والحجاز وغيرها
.

ويكمن
خطرها على بلاد الأندلس في أنها ساعدت عمر بن حفصون وأمدته بالسلاح والمؤن
والغذاء عن طريق مضيق جبل طارق من الجنوب؛ وذلك لأن عمر بن حفصون أو صمويل
كان يعادي ويحارب الخلافة الأموية السنية الموجودة في قرطبة
.

خامسا: تفشي السلبية وتوقف التفكير في الجهاد

كان
حال الشعب في هذه الفترة قد تغير بالمرة؛ فلم يعد يفكر في الجهاد، وانتشرت
الروح السلبيّة بين الناس، واعتقدوا أنّه لا فائدة وليس هناك طائل من
محاولة التغيير، ورأوا أن الأمر قد ضاع، وفُقد من أيديهم بالكلية ولا أمل
في الإصلاح
.

سادسا: تردي الأوضاع في بقية أقطار العالم الإسلامي

إذا تخطينا بلاد الأندلس وألقينا نظرة على مجمل أقطار العالم الإسلامي في الشرق والغرب وجدنا ما يلي:

مصر
والشام يحكمها الإخشيديون، الموصل يحكمها ابن حمدان، البحرين واليمامة
يحكمها القرامطة، أصبهان يحكمها بنو بويه، خراسان يحكمها نصر الساماني،
طبرستان يحكمها الديلم، الأهواز يحكمها البُريديون، كرمان يحكمها محمد بن
إلياس، الدولة العباسية أو الخلافة العباسية لا تحكم إلا بغداد فقط، ولا
تبسط سيطرتها حتى على أطراف العراق
.

هكذا
كان الوضع في أقطار العالم الإسلامي، لم يكن هناك أي أمل في أي مدد منه
إلى بلاد الأندلس؛ حيث كانت كلها مشتته ومفرقة، ولا حول و لاقوة إلاّ بالله
.

وإن
الناظر إلى بلاد الأندلس في ذلك الوقت ليرى أنه لا محالة من انتهاء
الإسلام فيها، وأنه ما هي إلا بضعة شهور أو سنوات قلائل حتى يدخل النصارى
إلى الأندلس ويحكموا قبضتهم عليها، ولن تُنقذ إلا بمعجزة جديدة مثل معجزة
عبد الرحمن الداخل رحمه الله
.

وبالفعل
فإن الله سبحانه وتعالى بمنه وجوده أنعم على المسلمين بتلك المعجزة للمرة
الثانية، فمنّ عليهم بأمير جديد، وحّد الصفوف وقوّى الأركان، وأعلى من شأن
بلاد الأندلس حتى أصبحت في عهده أقوى ممالك العالم على الإطلاق، وأصبح هو
أعظم ملوك أوروبا في زمانه بلا منازع، إنه عبد الرحمن الناصر رحمه الله


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تاريخ الاندلس : 6-الخلافة الأموية.
» تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة
» تاريخ الأندلس: 1- الطريق إلى الاندلس
»  تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي
» تاريخ الأندلس:9-دولة المرابطين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب جامعة إب :: الاقسام العلمية :: كلية الاداب :: منتدى التاريخ-
انتقل الى: