منتدى شباب جامعة إب
نـثر مـرورك في الــدرب زهـراً وريحانـا . . . وفاح عبــق اســــمك بوجـودك الفتــانـــا

فإن نطقت بخيـر فهو لشخصك إحسانا . . . وإن نطقت بشر فهو على شخصك نكرانا

وإن بقيت بين إخوانك فنحـن لك أعوانـا . . . وإن غادرت فنحن لك ذاكرين فلا تنسـانــا


منتدى شباب جامعة إب
نـثر مـرورك في الــدرب زهـراً وريحانـا . . . وفاح عبــق اســــمك بوجـودك الفتــانـــا

فإن نطقت بخيـر فهو لشخصك إحسانا . . . وإن نطقت بشر فهو على شخصك نكرانا

وإن بقيت بين إخوانك فنحـن لك أعوانـا . . . وإن غادرت فنحن لك ذاكرين فلا تنسـانــا


منتدى شباب جامعة إب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمركز رفع الصورأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
منتدى شباب جامعة إب منتدى ,علمي ,ثقافي ,ادبي ,ترفيهي, يضم جميع اقسام كليات الجامعة وكذا يوفر الكتب والمراجع والدراسات والابحاث التي يحتاجها الطالب في دراسته وابحاثه وكذا يفتح ابواب النقاش وتبادل المعلومات والمعارف بين الطلاب. كما اننا نولي ارائكم واقتراحاتكم اهتمامنا المتواصل . يمكنكم ارسال اقتراحاتكم الى ادارة المنتدى او كتابتها في قسم الاقتراحات والشكاوى

 

  تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Arwa Alshoaibi
مشرفـة عـامـة
مشرفـة عـامـة
Arwa Alshoaibi


كيف تعرفت علينا : ............
الكــلــيــة : ........
القسم ( التخصص ) : .......
السنة الدراسية (المستوى الدراسي) : .......
الجنس : انثى
عدد الرسائل : 12959
العمر : 35
الدوله : بعيييييييييييييييييييييييييييييد
العمل/الترفيه : القراءه والاطلاع على كل جديد
المزاج : متقلب المزاج
نقاط : 18850
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
: :قائمة الأوسمة : :
	 تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي   Aonye_10
	 تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي   1800010


بطاقة الشخصية
التقييم: 10

	 تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي   Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي    	 تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي   Icon_minitimeالأربعاء يوليو 27, 2011 1:58 am


[center]الفصل الثاني: عهد الفتح الإسلامي



	 تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي   6b783c9064540ddd4a3239cafa70309e


المسلمون في الشمال الإفريقي

لكي
نفهم الفتح الإسلامي للأندلس لا بد أن نتعرف على طبيعة الوضع في البلاد
الملاصقة لهذا البلد وهي بلاد الشمال الإفريقي، فقد دخلها الإسلام قبل فتح
الأندلس بسبعين سنة، أي سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وكان يسكن هذا الإقليم
(إقليم الشمال الإفريقي) قبائل ضخمة تسمى قبائل البربر - سنفصل الأمر فيها
قريبا بمشيئة الله - وهذه القبائل كانت دائمة الارتداد عن دين الله سبحانه
وتعالى، فتدخل في الإسلام، ثم ترتد، ثم تسلم، ثم ترتد، ودارت حروب بين هذه
القبائل والمسلمين انتهت باستقرار الإسلام في هذا الإقليم أواخر سنة خمس أو
ست وثمانين من الهجرة على يد موسى بن نصير رحمه الله
.

موسى بن نصير القائد بن القائد

موسى
بن نصير ذلك القائد المسلم البارع التقي الورع الذي ثبت أقدام الإسلام في
هذه البلاد المترامية الأطراف في الشمال الإفريقي، وهو من التابعين، وقد
روى عن بعض الصحابة
.

أما
أبوه فهو نصير ذلك الغلام النصراني الذي أسره خالد بن الوليد رضي الله عنه
في موقعة عين التمر، وكان قبلها يتعلم الإنجيل والدراسات النصرانية في
الكنيسة، وفي الأسر عرف الإسلام وأعجب به، فأسلم وهو ابن ثلاثة عشر أو
أربعة عشر عاما، وكان معه وعلى شاكلته سيرين أبو محمد بن سيرين التابعي
المشهور
.

وهنا
وقفة لطيفة نشير إليها في معرض هذا الحديث، وهي تلك الثمرة التي هي من
ثمار ومن تبعات الفتوحات الإسلامية، ومصداقا لقوله تعالى: [وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي
مِنَ المُسْلِمِينَ {فصِّلت:33} . تلك الثمرة التي منّ الله بها على نُصير
وعلى ولده من بعده، ومن ثم على المسلمين أجمعين
.

فانظر
ماذا فعل الإسلام بنُصَير وغيره؟ وماذا كان سيكون مصير نُصير إذا ظل على
ما هو عليه؟ وكيف أصبح في حسنات خالد بن الوليد رضي الله عنه وقد توفي بعده
بسنوات وسنوات. وإنه لثمرة من ثمرات الجهاد الإسلامي في بلاد فارس (وهي
التي أُسر فيها نُصير). وإن فتح الأندلس على يد موسى بن نصير ليشاركه فيه -
بإذن الله - الأجر خالد بن الوليد رضي الله عن الجميع
.

أما
نُصير، فلما أسلم ازداد حبه للإسلام، فأخذ ينهل منه ويتعلم حتى أصبح
عالما، وفي ذات الوقت من الفرسان الأشداء والمجاهدين الأكفاء، وظل يترقى من
حال إلى حال حتى صار في زمن الدولة الأموية قائد جيوش معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنه، وظل في هذه القيادة سنوات طويلة،


وفي
هذا الوقت كان ابنه موسى يتربى في بيت الخلافة مع أولاد معاوية وأولاد
الأمراء والخلفاء، فنشأ موسى بن نصير على حب الجهاد في سبيل الله ونشر
الدين، حتى أصبح شابا يافعا يتقلد الرتب والمناصب، فتقلد قيادة جيوش
الأمويين في مصر في عهد عبد العزيز بن مروان الأموي، ثم بعد ذلك واليا على
إفريقيا وذلك في سنة خمس وثمانين من الهجرة
.

موسى بن نُصير وتثبيت دعائم الإسلام في إفريقيا

منذ
أصبح موسى واليا على إفريقيا أصبح كل همه لماذا يرتد الناس بين الحين
والآخر عن الإسلام بعد أن يكونوا قد دخلوا فيه؟! بل كيف يعودون ويقاتلون
المسلمين بعد أن كانوا مسلمين؟! ومن هنا فقد أراد أن يجد حلا لهذه الأمور،
ويعمل على تثبيت دعائم الإسلام في هذا الإقليم الذي كان قد فتحه عقبة بن
نافع رحمه الله، والذي اغتيل في القيروان من هذا الإقليم على يد البربر وهو
في طريق عودته من المغرب الأقصى
.

وفي بحثه عن معرفة أسباب هذه الردة المتكررة وجد موسى بن نصير خطأين وقع فيهما من سبقوه
.

الخطأ الأول: وهو
أن عقبة بن نافع ومن معه كانوا يفتحون البلاد فتحا سريعا، ويتوغلون داخلها
طمعا في فتح أماكن أخرى كثيرة، دون أن يحموا ظهورهم في هذه المناطق التي
فتحوها، ومن ثم كانت النتيجة أن البربر فقهوا هذا الأمر واستغلوه جيدا،
فانقلبوا على عقبة وأحاطوا به وقتلوه،


وفي
تغلبه على هذا الأمر بدأ موسى بن نصير يفتح البلاد في أناة شديدة، وفي
هدوء وحذر كحذر خالد بن الوليد، فبدأ يتقدم خطوة ثم يُأَمّن ظهره، ثم خطوة
فيأمّن ظهره، حتى أتم فتح هذا الإقليم في سبع سنين أو في ست سنوات، بينما
استغرق عقبة بن نافع في فتحه شهورا معدودات
.

أما الخطأ الثاني
فقد وجد أن سكان هذا الإقليم لم يتعلموا الإسلام جيدا ولم يعرفوه حق
المعرفة، فبدأ بتعليمهم الإسلام؛ فكان يأتي بعلماء التابعين من منطقة الشام
والحجاز ليعلموهم الإسلام ويعرفونهم به، فأقبل السكان على الإسلام وأحبوه
ودخلوا فيه أفواجا، حتى أصبح البربر الذين يحاربون المسلمين أصبحوا جند
الإسلام وأهله، وهكذا عمل موسى على تثبيت دعائم الإسلام وتوطيده في الشمال
الإفريقي، وأتم فتح الإقليم بكامله عدا مدينة واحدة وهي مدينة سبتة (مدينة
سبتة الآن من مدن المغرب العربي التي تحتلها إسبانيا، وتقع على مضيق جبل
طارق)، فقد فتح ميناء طنجة ولم يفتح ميناء سبتة المماثل له في الأهمية،
وللموقع الاستراتيجي لمدينة سبتة ولّى موسى بن نصير على ميناء طنجة (القريب
جدا من سبتة والقريب في ذات الوقت من الأندلس) أمهر قواده طارق بن زياد
رحمه الله، وطارق بن زياد لم يكن عربيا، بل كان من قبائل البربر التي
استوطنت الشمال الإفريقي - كما ذكرنا - والتي كان يميزها اللون الأبيض
والعيون الزرقاء والشعر الأشقر، بعكس ما يُتخيل من كونهم يشبهون الزنوج،
حتى إن البعض ينسبونهم إلى أصول أوروبية، وقد حمل طارق بن زياد القائد الفذ
هذه الصفات الشكلية، إضافة إلى ضخامته الجسمية ووسامته الشديدة، تلك التي
لم تمنعه عن الانشغال بحب الجهاد في سبيل الله، ونشر هذا الدين
.



فكرة فتح الأندلس

لم
تكن فكرة فتح الأندلس وليدة أيام موسى بن نصير، بل إنها فكرة قديمة جدا،
فمنذ أن استعصت القسطنطينية على الفتح زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه -
وكانت الحملات الإسلامية قد وصلت إليها - قال قولته: إن القسطنطينية إنما
تفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح
القسطنطينية في الأجر
.

فكان
عثمان رضي الله عنه يعني أن المسلمين سيفتحون الأندلس أولا (غرب أوروبا)
ثم يتوجهون منها صوب القسطنطينية (شرق أوروبا) فيفتحونها من قِبَل الغرب لا
من قِبَل الشرق، من جهة البحر الأسود في ذلك الوقت،


لكن
المسلمين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هذه المنطقة من المغرب العربي إلا في
أيام بني أمية وفي فترة حكم موسى بن نصير على الشمال الإفريقي
.

موسى بن نصير وعقبات فتح الأندلس

بعد
أن استتب الأمر لموسى بن نصير في شمال إفريقيا، ومن قوله تعالى: [يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ
المُتَّقِينَ] {التوبة:123} - كما ذكرنا سابقا - أخذ موسى بن نصير الفكرة
وهيأ نفسه لبلاد الأندلس تلك التي تلي الشمال الإفريقي مباشرة، وفي طريقه
إليها كانت هناك عدة عقبات كان أهمها ما يلي
:

العقبة الأولى: قلة السفن

وجد
موسى بن نصير أن المسافة المائية التي سيقطعها بين المغرب والأندلس لا تقل
عن ثلاثة عشر كيلو مترا، وهو ليس لديه سفنا كافية لعبور هذه العقبة
المائية، فمعظم فتوحات المسلمين - باستثناء بعض المواقع مثل ذات الصواري
وفتح قبرص - كانت برية، ومن ثم لم يكن هناك حاجة كبيرة إلى سفن ضخمة، تلك
التي احتاجوا إليها هنا لتنقل الجنود وتعبر بهم مضيق جبل طارق ليصلوا إلى
الأندلس
.

العقبة الثانية: وجود جزر البليار النصرانية في ظهره إن دخل الأندلس

كان
موسى بن نصير قد تعلم من أخطاء سابقيه؛ فلم يخطو خطوة حتى يأمن ظهره أولا،
وفي شرق الأندلس كانت تقع جزر تسمى جزر البليار، وهي قريبة جدا من
الأندلس، ومن هنا فإن ظهره لن يكون آمنا إن هو دخل الأندلس، وكان عليه أولا
أن يحمي ظهره حتى لو كانت هذه الجزر تابعة للرومان
.

العقبة الثالثة: وجود ميناء سبتة المطل على مضيق جبل طارق في يد نصارى على علاقة بملوك الأندلس

كان
ميناء سبتة المطل على مضيق جبل طارق والذي لم يُفتح مع بلدان الشمال
الإفريقي، كان يحكمه ملك نصراني يُدعى يُليان أو جريان، وكان لهذا الملك
علاقات طيبة بملك الأندلس الأسبق غَيْطَشَة، وغيطشة هذا كان قد انقلب عليه
لوذريق أو رودريقو - كما يُنطق في بعض الأحيان - وتولى حكم الأندلس، وكانت
العقبة تكمن في خوف موسى بن نصير من أن ينقلب عليه يوليان صاحب ميناء سبتة
والذي سيكون في ظهره ويتحد مع لوزريق صاحب الأندلس، حتى وإن كان على خلاف
معه، فمن يضمن ألا يدخل يوليان مع لوزريق في حربه ضد موسى بن نصير نظير
مقابل مادي أو تحت أي بند آخر؟


العقبة الرابعة: قلة عدد المسلمين

كانت
العقبة الرابعة التي واجهت موسى بن نصير هي أن قوات المسلمين الفاتحين
التي جاءت من جزيرة العرب ومن الشام واليمن قوات محدودة جدا، وكانت في نفس
الوقت منتشرة في بلاد الشمال الإفريقي، ومن ثم فقد لا يستطيع أن يتم فتح
الأندلس بهذا العدد القليل من المسلمين، هذا مع خوفه من أن تنقلب عليه بلاد
الشمال الإفريقي إذ هو خرج منها بقواته
.

العقبة الخامسة: قوة عدد النصارى

في
مقابل قوة المسلمين المحدودة كانت تقف قوات النصارى بعدتها وضخامتها عقبة
في طريق موسى بن نصير لفتح الأندلس، فكان للنصارى في الأندلس أعداد ضخمة،
هذا بجانب قوة عدتهم وكثرة قلاعهم وحصونهم، وإضافة إلى ذلك فهم تحت قيادة
لوزريق القائد القوي المتكبر
.

العقبة السادسة: طبيعة جغرافية الأندلس وكونها أرض مجهولة بالنسبة للمسلمين

وقف
البحر حاجزا بين المسلمين وبين بلاد الأندلس، فلم تعبر سفنهم هذه المنطقة
من قبل فضلا عن أن يرتادوها أصلا، ومن ثم فلم يكن لهم علم بطبيعتها
وجغرافيتها، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة الإقدام على غزو أو فتح هذه
البلاد، وفضلا عن هذا فقد كانت بلاد الأندلس تتميز بكثرة الجبال والأنهار،
تلك التي ستقف عقبة كئود أمام حركة أي جيش قادم، خاصة إذا كانت الخيول
والبغال والحمير هي أهم وسائل ذلك الجيش في نقل العدة والعتاد
.




	 تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي   Empty 	 تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي   Empty


موسى بن نصير ومواجهة العقبات

رغم
هذه العقبات التي كانت موجودة بالفعل في طريق فتح الأندلس إلا أن موسى بن
نصير لم يكسل ولم يقف مكبّل اليدين، بل أصر على الفتح وعلى إتمام الطريق
الذي بدأه قبله الفاتحون، ومن هنا بدأ وفي أناة شديدة يرتب أموره ويحدد
أولوياته، فعمل على حل المعضلات السابقة على هذا النحو
:

أولا: بناء الموانئ وإنشاء السفن

عمد
موسى بن نصير أول أمره في سبيل تجاوز عقبات الطريق إلى الأندلس إلى إنشاء
السفن؛ فبدأ في سنة سبع وثمانين أو ثمان وثمانين ببناء الموانئ الضخمة
والتي يبنى فيها السفن، وهذ وإن كان يعد أمرا يطول أمده إلا أنه بدأه بهمة
عالية وإرادة صلبة؛ فبنى أكثر من ميناء في الشمال الإفريقي، كان أشهرها
ميناء القيروان (المدينة التي فتحها عقبة بن نافع
).

ثانيا: تعليم البربر الإسلام

وفي
أثناء ذلك أيضا عمد موسى بن نصير إلى تعليم البربر الإسلام في مجالس خاصة
لهم كما الدورات المكثفة تماما، حتى إنه بدأ في تكوين جيش الإسلام منهم
أنفسهم، وهذا الصنيع من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن نجده عند غير
المسلمين؛ فلم توجد دولة محاربة أو فاتحة غير الدول الإسلامية تُغيّر من
طبائع الناس وحبهم وولائهم الذي كانوا عليه، حتى يصبحوا هم المدافعين عن
دين هذه الدولة المحاربة أو الفاتحة، خاصة وإن كانوا ما زالوا حديث عهد
بهذا الفتح أو بهذا الدين الجديد،


فهذا
أمر عجيب حقا، ولا يتكرر إلا مع المسلمين وحدهم، فقد ظلت فرنسا - على سبيل
المثال - في الجزائر مائة وثلاثين عاما ثم خرجت والجزائريون ظلوا كما
كانوا على الإسلام لم يتغيروا، بل زاد حماسهم له وزادت صحوتهم الإسلامية،
علّم موسى بن نصير البربر الإسلام عقيدة وعملا، وغرس فيهم حب الجهاد وبذل
النفس والنفيس لله سبحانه وتعالى، فكان أن صار جُلّ الجيش الإسلامي وعماده
من البربر الذين كانوا منذ ما لا يزيد على خمس سنين من المحاربين له
.

ثالثا: تولية طارق بن زياد على الجيش

القائد
هو قبلة الجيش وعموده، بهذا الفهم ولّى موسى بن نصير على قيادة جيشه
المتجه إلى فتح بلاد الأندلس القائد البربري المحنك طارق بن زياد، ذلك
القائد الذي جمع بين التقوى والورع والكفاءة الحربية وحب الجهاد والرغبة في
الاستشهاد في سبيل الله، ورغم أنه كان من البربر وليس من العرب إلا أن
موسى بن نصير قدمه على غيره من العرب، وكان ذلك لعدة أسباب منها
:

1-
الكفاءة

لم
يمنع كون طارق بن زياد غير عربي أن يوليه موسى بن نصير على قيادة الجيش؛
فهو يعلم أنه ليس لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود
ولا لأسود على أحمر فضل إلا بالتقوى، فقد وجد فيه الفضل على غيره والكفاءة
في القيام بهذه المهمة على أكمل وجه، وقد ذكرنا بعضا من صفاته قبل قليل،
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن دعوة الإسلام ليست دعوة قبلية أو دعوة
عنصرية تدعو إلى التعصب وتفضل عنصرا أو طائفة على طائفة؛ إنما هي دعوة
للعالمين: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]
{الأنبياء:107
} .

2-
قدرته على فَهم وقيادة قومه

إضافة
إلى الكفاءة فقد كان من البربر، وذلك أدعى للقضاء على أيٍ من العوامل
النفسية التي قد تختلج في نفوس البربريين الذين دخلوا الإسلام حديثا، ومن
ثم يستطيع قيادة البربرجميعا وتطويعهم للهدف الذي يصبو إليه، ثم ولكونه
بربريا فهو قادر على فهم لغة قومه؛ إذ ليس كل البربر يتقنون الحديث
بالعربية، وكان طارق بن زياد يجيد اللغتين العربية والبربرية بطلاقة، ولهذه
الأسباب وغيرها رأى موسى بن نصير أنه يصلح لقيادة الجيش فولاه إياه
.

رابعا: فتح جزر البليار وضمها إلى أملاك المسلمين

من
أهم الوسائل التي قام بها موسى بن نصير تمهيدا لفتح الأندلس وتأمينا لظهره
كما كان عهده بذلك، قام بفتح جزر البليار التي ذكرناها سابقا وضمها إلى
أملاك المسلمين، وهو بهذا يكون قد أمّن ظهره من جهة الشرق، وهذا العمل يدل
على حنكة وحكمة عظيمة لهذا القائد الذي أُغفل دوره في التاريخ الإسلامي
.

مشكلة سبتة والعناية الإلهية

استطاع
موسى بن نصير أن يتغلب على قلة عدد الجيش من خلال البربر أنفسهم، كذلك
تغلب على العقبة المتمثلة في قلة السفن نسبيا ببناء موانئ وسفن جديدة،
وبقيت أرض الأندلس كما هي أرضا مجهولة له، وكذلك ظلت مشكلة ميناء سبتة
قائمة لم تُحل، وهي -كما ذكرنا - ميناء حصين جدا يحكمه النصراني يوليان،
وقد استنفد موسى بن نصير جهده وطاقته وفعل كل ما في وسعه ولم يجد حلا
لهاتين المشكلتين، وهنا وفقط كان لا بد للأمر الإلهي والتدبير الإلهي أن
يتدخل: [إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا
يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ] {الحج:38} . [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى] {الأنفال:17} . وهذا بالفعل ما حدث وتجسد
في فعل يوليان صاحب سبتة وكان على النحو التالي
:

-
فكر
يوليان جديا في الأمر من حوله، وكيف أن الأرض بدأت تضيق عليه وتتآكل من
قِبَل المسلمين الذين يزدادون قوة يوما بعد يوم، وإلى متى سيظل صامدا
أمامهم إن هم أتوا إليه؟


-
كان
يوليان مع ذلك يحمل الحقد الدفين على لذريق حاكم الأندلس ذلك الذي قتل
غيطشة صاحبه الأول، وقد كان بينهما علاقات طيبة، حتى إن أولاد غيطشة من
بعده استنجدوا بيوليان هذا ليساعدهم في حرب لذريق، ولكن هيهات فلا طاقة
ليوليان بلذريق ولا طاقة لأولاد غيطشة أيضا به، ومن هنا فكان ثمة عداء
متأصل بين صاحب سبتة وحاكم الأندلس؛ ومن ثم فإلى أين سيفر يوليان إن استولى
المسلمون على ميناء سبتة؟


-
الأمر
الأخير الذي دار في خلد يوليان هو أن أولاد غيطشة القريبين منه كان لهم من
الضياع الضخمة في الأندلس الكثير والتي صادرها وأخذها منهم لذريق قاتل
أبيهم، وكان يوليان يريد أن يستردها لهم، وكان لذريق أيضا قد فرض على شعبه
الضرائب الباهظة وأذاقهم الأمرّين؛ فعاشوا في فقر وبؤس شديد بينما هو في
نعيم دائم ومُلك يتصرف فيه كيف يشاء؛ ومن هنا فكان شعبه يكرهه ويتمنى
الخلاص منه
.

ومن
تدبير رب العالمين أن اختمرت هذه الأفكار جيدا في عقل يوليان - وموسى بن
نصير آنذاك قد استنفد جهده وحار في أمره - فإذا به يُرسل إلى طارق بن زياد
والي طنجة (على بعد عدة كيلو مترات من ميناء سبتة) برسل من قِبَله يعرض
عليه عرضا للتفاوض، أما تدبير العناية الإلهية والمفاجأة فكانت في بنود هذا
العرض وهذا الطلب العجيب الذي نص على ما يلي
:

1-
نسلمك ميناء سبتة. تلك المعضلة التي حار المسلمون أعواما في الاهتداء إلى حل لها؛ حيث كانت فوق مقدراتهم
.

2-
نمدك
ببعض السفن التي تساعدك في عبور مضيق جبل طارق إلى الأندلس. وكأن الله
سبحانه وتعالى أراد أن يقول: سأتم ما لم يستطع المسلمون إتمامه ووقفت عندهم
قدراتهم، حتى ولو كان ذلك من قِبَل أعدائهم، وقد علمنا مدى احتياج موسى بن
نصير لهذه السفن
.

3-
نمدك بالمعلومات الكافية عن أرض الأندلس
.

أما
المقابل فهو: ضيعات وأملاك غيطشة التي صادرها لذريق. وكان لغيطشة ثلاث
آلاف ضيعة (ضيعة تعني عقَارُ وأرضٌ مُغِلَّةُ)، وكانت ملكا لأولاده من
بعده، فأخذها منهم لذريق وصادرها
.

ما أجمل العرض وأحسن الطلب:

وبهذا
العرض فقد أراد يوليان صاحب سبتة أن يتنازل للمسلمين عن سبتة ويساعدهم في
الوصول إلى الأندلس، ثم حين يحكمها المسلمون يسمع يوليان ويطيع، على أن يرد
المسلمون بعد ذلك ضيعات وأملاك غيطشة، فما أجمل العرض وما أحسن الطلب! وما
أعظم السلعة وما أهون الثمن
!

المسلمون
لم يفكروا يوما في مغنم أو ثروة أو مال حال فتوحاتهم البلاد، لم يرغبوا
يوما في دنيا يملكها غيطشة أو يوليان أو لذريق أوغيرهم، كان جل هدفهم تعليم
الناس الإسلام وتعبيدهم لرب العباد، فإذا دخل الناس في الإسلام كان لهم ما
للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، بل لو لم يدخلوا في الإسلام وأرادوا دفع
الجزية فحينئذ يُترك لهم كل ما يملكون، وسنتحدث عن الجزية في الإسلام بعد
قليل
.

ومن
هنا فكان الثمن هينا جدا والعرض غاية الآمال، فبعث طارق بن زياد إلى موسى
بن نصير وكان في القيروان عاصمة الشمال الإفريقي آنذاك (وهي في تونس الآن)
يخبره هذا الخبر، فسُرّ سرورا عظيما، ثم بعث موسى بن نصير بدوره إلى
الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يطلعه أيضا الخبر ويستأذنه في فتح
الأندلس
.

وهنا
أذن له الوليد بن عبد الملك إلا أنه شرط عليه شرطا كان قد فكر فيه قبل ذلك
موسى بن نصير نفسه، وهو: ألا تدخل بلاد الأندلس حتى تختبرها بسرية من
المسلمين، فمن أدراك أن المعلومات التي سيقدمها لك يوليان عن الأندلس ستكون
صحيحة؟ ومن يضمن لك ألا يخون يوليان عهده معك أو يتفق من ورائك مع لذريق
أو مع غيره عليك؟



سرية طريف بن مالك أول سرية للمسلمين إلى الأندلس

جهز
موسى بن نصير بالفعل سرية من خمسمائة رجل وجعل رأسهم طَريف بن مالك- أو
ملوك كما جاء في روايات أخرى- وكان طريف أيضا من البربر كما كان القائد
طارق بن زياد، وهذه مزية تفرد بها الإسلام كما ذكرت، خاصة وأن طريف من
البربر حديثي العهد بالإسلام وهو الآن وبعد أن كان يحارب الإسلام صار قائدا
مدافعا عن الإسلام وناشرا له،


سار
طريف بن مالك من المغرب على رأس خمسمائة من المسلمين صوب الأندلس، وقد
وصلها في رمضان سنة واحد وتسعين من الهجرة، وقام بمهمته في دراسة منطقة
الأندلس الجنوبية والتي سينزل بها الجيش الإسلامي بعد ذلك على أكمل وجه، ثم
عاد بعد انتهائه منها إلى موسى بن نصير وشرح له ما رآه، وفي أناة شديدة
وعمل دءوب ظل موسى بن نصير عاما كاملا بعد عودة طريف بن مالك يجهز الجيش
ويعد العدة، حتى أعد في هذه السنة سبعة آلاف مقاتل، وبهم بدأ الفتح
الإسلامي للأندلس رغم الأعداد الضخمة لقوات النصارى هناك
.

الصدام الأول وبدايات الفتح الإسلامي للأندلس

في
شعبان من سنة اثنتين وتسعين من الهجرة تحرك هذا الجيش المكون من سبعة آلاف
فقط، وعلى رأسه القائد طارق بن زياد، تحرك هذا الجيش وعبر مضيق جبل طارق،
والذي ما سُمّي بهذا الاسم (مضيق جبل طارق) إلا في هذا الوقت؛ وذلك لأن
طارق بن زياد حين عبر المضيق نزل عند هذا الجبل، وقد ظل إلى الآن حتى في
اللغة الإسبانية يسمى جبل طارق ومضيق جبل طارق، ومن جبل طارق انتقل طارق بن
زياد إلى منطقة واسعة تسمى الجزيرة الخضراء، وهناك قابل الجيش الجنوبي
للأندلس، وهو حامية جيش النصارى في هذه المنطقة فلم تكن قوة كبيرة، وكعادة
الفاتحين المسلمين فقد عرض طارق بن زياد عليهم: الدخول في الإسلام ويكون
لكم ما لنا وعليكم ما علينا ونترككم وأملاككم، أو دفع الجزية ونترك لكم
أيضا ما في أيديكم، أو القتال، ولن نؤخركم إلا لثلاث، لكن تلك الحامية
أخذتها العزة وأبت إلا القتال، فكانت الحرب وكانت سجالا بين الفريقين حتى
انتصر عليهم طارق بن زياد، فأرسل زعيم تلك الحامية رسالة عاجلة إلى لذريق
وكان في طليطلة عاصمة الأندلس، يقول له فيها: أدركنا يا لذريق؛ فإنه قد نزل
علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء؟
!

حقا
فهم أناس غريبون، فقد كان من المعروف عندهم أن الفاتح أو المحتل لبلد آخر
إنما تقتصر مهمته على السلب والنهب لخيرات البلد، والذبح والقتل في كثير من
الأحيان، أما أن يجدوا أناسا يعرضون عليهم الدخول في دينهم ويتركون لهم كل
شيء، أو أن يدفعوا لهم الجزية وأيضا يتركون لهم كل شيء، فهذا مما لم
يعهدوه من قبل في تاريخهم وفي حياتهم، وفضلا عن هذا فقد كانوا في قتالهم من
المهرة الأكفاء، وفي ليلهم من الرهبان المصلين، فلم يدري قائد الحامية في
رسالته إلى لذريق أهُم من أهل الأرض، أم هم من أهل السماء؟! وصدق وهو كذوب؛
فهم من جند الله ومن حزبه


[
أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ] {المجادلة:22
} .

موقعة وادي برباط وفتح الأندلس

حين
وصلت رسالة قائد الحامية إلى لذريق جن جنونه، وفي غرور وصلف جمّع جيشا
قوامه مائة ألف من الفرسان، وجاء بهم من الشمال إلى الجنوب يقصد جيش
المسلمين، كان طارق بن زياد في سبعة آلاف فقط من المسلمين جلهم من
الرّجّالة وعدد محدود جدا من الخيل، فلما أبصر أمر لذريق وجد صعوبة جدا في
هذا القياس، سبعة آلاف أمام مائة ألف، فأرسل إلى موسى بن نصير يطلب منه
المدد، فبعث إليه طريف بن مالك على رأس خمسة آلاف آخرين رجالة أيضا، وصل
طريف بن مالك إلى طارق بن زياد وأصبح عدد جيش المسلمين اثني عشر ألف مقاتل،
وبدأ طارق بن زياد يستعد للمعركة، فكان أول ما صنع بحث عن أرض تصلح للقتال
حتى هداه البحث إلى منطقة تسمى في التاريخ وادي البرباط، وتسمى في بعض
المصادر وادي لُقّة أو لِقة بالكسر، وتسميها بعض المصادر أيضا وادي لُكّة،


ولقد
كان لاختيار طارق بن زياد لهذا المكان أبعاد استراتيجية وعسكرية عظيمة،
فقد كان من خلفه وعن يمينه جبل شاهق، وبه حمى ظهره وميمنته فلا يستطيع أحد
أن يلتف حوله، وكان في ميسرته أيضا بحيرة عظيمة فهي ناحية آمنة تماما، ثم
وضع على المدخل الجنوبي لهذا الوادي (أي في ظهره) فرقة قوية بقيادة طريف بن
مالك؛ حتى لا يباغت أحد ظهر المسلمين، ومن ثم يستطيع أن يستدرج قوات
النصارى من الناحية الأمامية إلى هذه المنطقة، ولا يستطيع أحد أن يلتف من
حوله، ومن بعيد جاء لذريق في أبهى زينة، يلبس التاج الذهبي والثياب الموشاة
بالذهب، وقد جلس على سرير محلى بالذهب يجره بغلين، فلم يستطع أن يتخلى عن
دنياه حتى وهو في لحظات الحروب والقتال، وقدم على رأس مائة ألف من الفرسان،
وجاء معه بحبال محملة على بغال؛ لتقييد المسلمين بها وأخذهم عبيدا بعد
انتهاء المعركة، وهكذا في صلف وغرور ظن أنه حسم المعركة لصالحه؛ فبمنطقه
وبقياسه أن اثني عشر ألفا يحتاجون إلى الشفقة والرحمة، وهم أمام مائة ألف
من أصحاب الأرض مصدر الإمداد
.

وفي
الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين من الهجرة يتم اللقاء في
وادي برباط، وتدور معركة هي من أشرس المعارك في تاريخ المسلمين، وإن الناظر
العادي إلى طرفي المعركة ليدخل في قلبه الشفقة حقا على المسلمين الذين لا
يتعدى عددهم الاثني عشر ألفا وهم يواجهون مائة ألف كاملة، فبمنطق العقل كيف
يقاتلون فضلا عن أن يَغلبوا؟
!

بين الفريقين

رغم
المفارقة الواضحة جدا بين الفريقين إلا أن الناظر المحلل ليرى أن الشفقة
كل الشفقة على جيش المائة ألف، فالطرفان [خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي
رَبِّهِمْ]{الحج:19} وشتان بين الخصمين، شتان بين فريق خرج طائعا مختارا،
راغبا في الجهاد، وبين فريق خرج مُكرها مضطرا مجبورا على القتال، شتان بين
فريق خرج مستعدًا للاستشهاد، مسترخصا الحياة من أجل عقيدته، متعاليًا على
كل روابط الأرض ومنافع الدنيا، أسمى أمانيه الموت في سبيل الله، وبين فريق
لا يعرف من هذه المعاني شيئا، أسمى أمانيه العودة إلى الأهل والمال والولد،
شتان بين فريق يقف فيه الجميع صفا واحدا كصفوف الصلاة، الغني بجوار
الفقير، والكبير بجوار الصغير، والحاكم بجوار المحكوم، وبين فريق يمتلك فيه
الناس بعضهم بعضا ويستعبد بعضهم بعضا، فهذا فريق يقوده رجل رباني طارق بن
زياد يجمع بين التقوى والحكمة، وبين الرحمة والقوة، وبين العزة والتواضع،
وذاك فريق يقوده متسلط مغرور، يعيش مترفا مُنعّما بينما شعبه يعيش في بؤس
وشقاء وقد ألهب ظهره بالسياط، هذا جيش توزع عليه أربعة أخماس الغنائم بعد
الانتصار، وذاك جيش لا ينال شيئا، وإنما يذهب كله إلى الحاكم المتسلط
المغرور وكأنما حارب وحده، هذا فريق ينصره الله ويؤيده ربه خالق الكون
ومالك الملك سبحانه وتعالى، وذاك فريق يحارب الله ربه ويتطاول على قانونه
وعلى شرعه سبحانه وتعالى، وبإيجاز فهذا فريق الآخرة وذاك فريق الدنيا، فعلى
من تكون الشفقة إذن؟! على من تكون الشفقة وقد قال سبحانه وتعالى: [كَتَبَ
اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ]
{المجادلة:21} . على من تكون الشفقة وقد قال سبحانه وتعالى: [وَلَنْ
يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا] {النساء:141}
. فالمعركة إذن باتت وكأنها محسومة قبلا
.

وادي برباط وشهر رمضان

هكذا
وفي شهرمضان بدأت معركة وادي برباط الغير متكافئة ظاهريا والمحسومة
بالمنطق الرباني، بدأت في شهر الصيام والقرآن، الشهر الذي ارتبط اسمه
بالمعارك والفتوحات والانتصارات، ولكن وللأسف تحول هذا الشهر الآن إلى موعد
مع الزمن لإنتاج أحدث المسلسلات والأفلام وغيرها، تحول إلى نوم بالنهار
وسهر بالليل لا للقرآن أو للقيام، ولكن لمتابعة أو ملاحقة المعروضات
الجديدة على الفضائيات وغير الفضائيات، تحول إلى شهر المراوغة من العمل،
وقد كان المسلمون ينتظرونه للقيام بأشق الأعمال وأكدّها، تحول إلى شهر
الضيق وافتعال المضايقات، وهو شهر الصبر والجهاد وتهذيب للنفس، ففي هذا
الشهر الكريم وقبل العيد بيوم أويومين - وهكذا كانت أعياد المسلمين - وعلى
مدى ثمانية أيام متصلة دارت رحى الحرب، وبدأ القتال الضاري الشرس بين
المسلمين والنصارى، أمواج من النصارى تنهمر على المسلمين، والمسلمون صابرون
صامدون


[
رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا] {الأحزاب:23
} .

وعلى
هذا الحال ظل الوضع طيلة ثمانية أيام متصلة انتهت بنصر مؤزّر للمسلمين بعد
أن علم الله صبرهم وصدق إيمانهم، وقتل لذريق وفي رواية أنه فر إلى الشمال،
لكنه اختفى ذكره إلى الأبد، وقد تمخض عن هذه المعركة عدة نتائج كان أهمها
:

1-
طوت الأندلس صفحة من صفحات الظلم والجهل والاستبداد، وبدأت صفحة جديدة من صفحات الرقي والتحضر من تاريخ الفتح الإسلامي
.

2-
غنم المسلمون غنائم عظيمة كان أهمها الخيول، فأصبحوا خيّالة بعد أن كانوا رجّالة
.

3-
بدأ
المسلمون المعركة وعددهم اثنا عشر ألفا، وانتهت المعركة وعددهم تسعة آلاف،
فكانت الحصيلة ثلاثة آلاف شهيد رووا بدمائهم الغالية أرض الأندلس، فأوصلوا
هذا الدين إلى الناس، فجزاهم الله عن الإسلام خيرا
.

طارق بن زياد وقضية حرق السفن

قبل
الانتقال إلى ما بعد وادي برباط كان لا بد لنا من وقفة أمام قضية اشتهرت
وذاع صيتها كثيرا في التاريخ الإسلامي بصفة عامة والتاريخ الأوروبي بصفة
خاصة، وهي قضية حرق طارق بن زياد للسفن التي عَبَر بها إلى بلاد الأندلس
قبل موقعة وادي برباط مباشرة
.

فما
حقيقة ما يقال من أن طارق بن زياد أحرق كل السفن التي عبر عليها؟ وذلك حتى
يحمس الجيش على القتال، وقد قال لهم: البحر من ورائكم والعدو من أمامكم
فليس لكم نجاة إلا في السيوف
.

في
حقيقة الأمر فإن هناك من المؤرخين من يؤكد صحة هذه الرواية، ومنهم من يؤكد
بطلانها، والحق أن هذه الرواية من الروايات الباطلة التي أُدخلت إدخالاً
على تاريخ المسلمين، وذلك للأسباب الآتية
:

أولا:
أن هذه الرواية ليس لها سند صحيح في التاريخ الإسلامي، فعلم الرجال وعلم
الجرح والتعديل الذي تميز به المسلمون عن غيرهم يحيلنا إلى أن الرواية
الصحيحة لا بد أن تكون عن طريق أناس موثوق فيهم، وهذه الرواية لم ترد أبدا
في روايات المسلمين الموثوق في تأريخهم، وإنما أتت إلينا من خلال المصادر
والروايات الأوروبية التي كتبت عن موقعة وادي برباط
.

ثانيا:
أنه لو حدث فعلا إحراق لهذه السفن كان لا بد أن يحدث رد فعل من قِبَل موسى
بن نصير أو الوليد بن عبد الملك استفسارا عن هذه الواقعة، فكان لا بد أن
يكون هناك حوار بين موسى بن نصير وطارق بن زياد حول هذه القضية، ولا بد أن
يكون هناك تعليق من الوليد بن عبد الملك، وأيضا لا بد أن يكون هناك تعليق
من علماء المسلمين: هل يجوز هذا الفعل أم لا يجوز؟ وكل المصادر التاريخية
التي أوردت هذه الرواية وغيرها لم تذكر على الإطلاق أي رد فعل من هذا
القبيل؛ مما يعطي شكا كبيرا في حدوث مثل هذا الإحراق
.

ثالثا:
أن المصادر الأوروبيّة قد أشاعت هذا الأمر؛ لأن الأوروبيين لم يستطيعوا
تفسير كيف انتصر اثنا عشر ألفا من المسلمين الرجّالة على مائة ألف فارس من
القوط النصارى في بلادهم وعقر دارهم، وفي أرض عرفوها وألفوها؟
!

ففي
بحثهم عن تفسير مقنع لهذا الانتصار الغريب قالوا: إن طارقا قام بإحراق
سفنه لكي يضع المسلمين أمام إحدى هاتين: الغرق في البحر من ورائهم، أو
الهلاك المحدق من قبل النصارى من أمامهم، وكلا الأمرين موت محقق؛ ومن ثم
فلم يكن هناك حلا لهذه المعادلة الصعبة إلا بالاستماتة في القتال للهروب من
الموت المحيط بهم، فكانت النتيجة الطبيعية الانتصار، أما إذا كانت الظروف
طبيعية لكانوا قد ركبوا سفنهم وانسحبوا عائدين إلى بلادهم
.

وهكذا
فسّر الأوروبيين النصارى السر الأعظم في انتصار المسلمين في وادي برباط،
وهم معذورون في ذلك؛ فهم لم يُجربوا ولم يفقهوا القاعدة الإسلامية المشهورة
والمسجلة في كتابه سبحانه وتعالى والتي تقول
:

[
كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:249
}.

فالناظر
في صفحات التاريخ الإسلامي يجد أن الأصل هو أن ينتصر المسلمون وهم قلة على
أعدائهم الكثيرين، بل ومن العجيب أنه إذا زاد المسلمون على أعدائهم في
العدد فتكون النتيجة هي الهزيمة للمسلمين، وذلك هو ما حدث يوم حنين
[وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ
عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ] {التوبة:25
} .

ومن
هنا فقد حاول الأوروبيون على جهل منهم وسوء طوية أن يضعوا هذا التفسير
وتلك الحجة الواهية حتى يثبتوا أن النصارى لم يُهزموا في ظروف متكافئة، وأن
المسلمين لم ينتصروا إلا لظروف خاصة جدا
.

رابعا:
متى كان المسلمون يحتاجون إلى مثل هذا الحماس التي تُحرّق فيه سفنهم؟!
وماذا كانوا يفعلون في مثل هذه المواقف- وهي كثيرة- والتي لم يكن هناك سفن
ولا بحر أصلا؟! فالمسلمون إنما جاءوا إلى هذه البلاد راغبين في الجهاد
طالبين الموت في سبيل الله؛ ومن ثم فلا حاجة لهم بقائد يحمسهم بحرق سفنهم
وإن كان هذا يعد جائزا في حق غيرهم
.

خامسا:
ليس من المعقول أن قائدا محنكا مثل طارق بن زياد رحمه الله يقدم على إحراق
سفنه وإحراق خط الرجعة عليه، فماذا لو انهزم المسلمون في هذه المعركة وهو
أمر وارد وطبيعي جدا؟ ألم يكن من الممكن أن تحدث الكرة على المسلمين خاصة
وهم يعلمون قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ
يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ
مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ] {الأنفال:15،16
}

فهناك
إذن احتمال من أن ينسحب المسلمون من ميدان المعركة؛ وذلك إما متحرفين
لقتال جديد، وإمّا تحيزا إلى فئة المسلمين، وقد كانت فئة المسلمين في
المغرب في الشمال الأفريقي، فكيف إذن يقطع طارق بن زياد على نفسه التحرف
والاستعداد إلى قتال جديد، أو يقطع على نفسه طريق الانحياز إلى فئة
المسلمين؟
!

ومن
هنا فإن مسألة حرق السفن هذه تعد تجاوزا شرعيا كبيرا لا يقدم عليه من هو
في ورع وعلم طارق بن زياد رحمه الله، وما كان علماء المسلمين وحكّامهم
ليقفوا مكتوفي الأيدي حيال هذا الفعل إن كان قد حدث
.

سادسا:
وهو الأخير في الرد على هذه الرواية أن طارق بن زياد كان لا يملك كل السفن
التي كانت تحت يديه؛ فبعضها كان قد أعطاها له يوليان صاحب سبتة بأجرة
ليعبر عليها ثم يعيدها إليه بعد ذلك فيعبر بها هو (يوليان) إلى إسبانيا كما
وضحنا سابقا، ومن ثم فلم يكن من حق طارق بن زياد إحراق هذه السفن
.

لكل هذه الأمور نقول: إن قصة حرق السفن هذه قصة مختلقة، وما أُشيعت إلا لتهون من فتح الأندلس وانتصار المسلمين
.

طارق بن زياد بعد وادي برباط

بعد
النصر الكبير الذي أحرزه المسلمون في وادي برباط ورغم فقدهم ثلاثة آلاف
شهيد، وجد طارق بن زياد أن هذا الوقت هو أفضل الفرص لاستكمال الفتح وإمكان
تحقيقه بأقل الخسائر؛ وذلك لما كان يراه من الأسباب الآتية
:

1-
النتيجة الحتمية لانتصار اثني عشر ألفا على مائة ألف، وهي الروح المعنوية العالية لدى جيش المسلمين
.

2-
وفي مقابل ذلك ما كان من أثر الهزيمة القاسية على القوط النصاري، والتي جسدت انعدام تلك الروح وفقدانها تماما


3-
وإضافة إلى انعدام الروح المعنوية فقد قتل من القوط النصارى وتفرق منهم الكثير؛ فأصبحت قوتهم من الضعف والهوان بمكان كبير.

4-
وجد
طارق بن زياد أن كون لذريق المستبد بعيدا عن الناس وعن التأثير فيهم؛ وذلك
كونه قُتل أو فر، وكون الناس له كارهين- وجد أن في هذا فرصة كبيرة لأن
يُعلّم الناس دين الله سبحانه وتعالى، ومن ثم فقد يقبلوه ويدخلون فيه
.

5-
لم
يضمن طارق بن زياد أن يظل يوليان صاحب سبتة على عهده معه مستقبلا؛ ومن ثم
فعليه أن ينتهز هذه الفرصة ويدخل بلاد الأندلس مستكملا الفتح
.

ولهذه
الأسباب فقد أخذ طارق بن زياد جيشه بعد انتهاء المعركة مباشرة واتجه شمالا
لفتح بقية بلاد الأندلس، فاتجه إلى إشبيلية وكانت أعظم مدن الجنوب على
الإطلاق، وكانت تتميز بحصانتها وارتفاع أسوارها وقوة حاميتها، لكن رغم كل
هذا فقد تحقق فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه البخاري
عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي:
نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ
مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ
الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ
لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ
إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً
.

ففتحت
المدينة أبوابها للمسلمين دون قتال، وصالحت على الجزية، ولا بد هنا وقبل
استكمال مسيرة الفتح من وقفة مع مصطلح الجزية لبيان كنهه وحقيقته
.


الجزية في الإسلام

لم
يكن المسلمون بدعا بين الأمم حين أخذوا الجزية من البلاد التي فتحوها
ودخلت تحت ولايتهم، فإن أخذ الأمم الغالبة للجزية من الأمم المغلوبة أمر
حدث كثيرا ويشهد به التاريخ، ورغم ذلك فقد كثر الكلام حول أمر الجزية في
الإسلام، ودعوة القرآن لأخذها من أهل الكتاب، حتى رأى البعض أن الجزية هذه
ما هي إلا صورة من صور الظلم والقهر، والإذلال للشعوب التي دخلت تحت ولاية
المسلمين، وهذا فيه إجحاف كبير ومغايرة للحقيقة، نحن بصدد الكشف عنه وبيانه
فيما يلي
:

أولا: تعريف الجزية

الجزية
في اللغة مشتقة من مادة (ج ز ي) بمعنى جَزاهُ بما صنع، تقول العرب: جزى
يجزي، إذا كافأ عما أسدي إليه، والجزية مشتق من المجازاة على وزن فِعلة،
بمعنى أنهم أعطوها جزاءَ ما مُنحوا من الأمن
.

وهي
في الاصطلاح تعني: ضريبة يدفعها أهل الكتاب بصفة عامة، ويدفعها المجوس
والمشركون في آراء بعض الفقهاء الغالبة، نظير أن يدافع عنهم المسلمون، وإن
فشل المسلمون في الدفاع عنهم ترد إليهم جزيتهم وقد تكرر هذا في التاريخ
الإسلامي كثيرا
.

ثانيا: على من تُفرض الجزية:

من رحمة الإسلام وعدله أن خص بالجزية طائفة ومنعها عن آخرين، فهي:

-
تؤخذ من الرجال ولا تؤخذ من النساء
.

-
تؤخذ من الكبار البالغين ولا تؤخذ على الأطفال
.

-
تؤخذ من الأصحاء ولا تؤخذ على المرضى وأصحاب العاهات الغير قادرين على القتال
.

-
تؤخذ
من الغني ولا تؤخذ من الفقير، بل إ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاريخ الأندلس: 2-عهد الفتح الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تاريخ الأندلس: 3-عهد الولاة
»  تاريخ الأندلس: 5- الإمارة الأموية
» تاريخ الأندلس:9-دولة المرابطين
» تاريخ الأندلس:10-بين المرابطين والموحدين
» تاريخ الأندلس: 1- الطريق إلى الاندلس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب جامعة إب :: الاقسام العلمية :: كلية الاداب :: منتدى التاريخ-
انتقل الى: